الطريق إلى الحكومة العراقية الجديدة: مفاوضات ساخنة تنتظر التوافق الشيعي
لم تُسفر انتخابات العراق 2025 عن كتلة حاسمة، لكنّها أطلقت شرارة صراع سياسي متجدد على قيادة المرحلة المقبلة، بعدما تباينت حسابات القوى الشيعية وتعددت مسارات التأثير الإقليمي. ومع بدء الاجتماعات المكثفة لتحديد الكتلة الأكبر، يتجه العراق إلى اختبار سياسي جديد، ستكون مخرجاته حاسمة لمستقبل الحكومة المقبلة.
نفوذ إيراني
ترى دوائر القرار الأميركية أن تعاظم نفوذ القوى المدعومة من طهران، أو فتح بوابات المصالح الاقتصادية بشكل أوسع لإيران عبر مؤسسات الدولة، قد يضع بغداد في مواجهة مباشرة مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وتزامن ذلك مع رسائل غير معلنة نقلتها واشنطن لبغداد، عبر وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، مفادها أن إشراك ستة فصائل مرتبطة بإيران – والمصنفة أميركياً كمنظمات إرهابية – في تشكيل الحكومة سيكون خطاً أحمر.
هذا التحذير ألقى بظلاله على طبيعة المفاوضات الدائرة، في وقت تطلق أطراف شيعية دعوات لتهدئة الصراع الإقليمي عبر تشكيل حكومة “متوازنة” لا تُصنّف في خانة طهران أو واشنطن.
اجتماعات شيعية مكثّفة
وعلى مدى اليومين الماضيين، شهدت بغداد سلسلة لقاءات منفردة جمعت شخصيات مؤثرة: فالح الفياض، قيس الخزعلي، عمار الحكيم، محسن المندلاوي، وشبل الزيدي. ورغم اختلاف اتجاهاتهم السياسية، اتفق هؤلاء على ضرورة الإسراع بحسم اسم رئيس الوزراء المقبل، وضمان استقرار المرحلة بعد المصادقة على النتائج النهائية.
وأكد الحكيم أن النتائج الحالية "تدفع نحو الاستقرار"، داعياً الكتل الفائزة إلى تنفيذ وعودها عبر برامج حكومية واقعية، بينما شددت بيانات الحشد الشعبي على "تقديم المصلحة الوطنية والتفاهمات" في عملية تشكيل الحكومة.
وبرغم حصول القوى الشيعية مجتمعة على 187 مقعداً ـ وهي أغلبية مريحة تتجاوز سقف 165 ـ إلا أن هذا التفوق لا يعكس انسجاماً سياسياً بقدر ما يكشف عن صراع بيني على قيادة الحكومة.
وتشير معلومات متطابقة حصلت عليها "النهار" إلى أن فرص رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بولاية ثانية تراجعت بوضوح. فأربع شخصيات نافذة داخل الإطار التنسيقي، هي نوري المالكي، وعمار الحكيم، وقيس الخزعلي، وهادي العامري، أبلغت في اجتماعات داخلية رفضها تجديد الولاية للسوداني، رغم تصدره الانتخابات بـ46 مقعداً بعدما نال وتحالفه أكثر من 1.3 مليون صوت.
وتُعزى هذه المواقف إلى توتر العلاقة بين السوداني وقيادات الإطار على خلفية اتهامات بالتنصت على قادة بارزين، وفي مقدمهم المالكي. كذلك تُوجَّه للسوداني اتهامات باستغلال موارد الدولة خلال الحملة الانتخابية، فضلاً عن غيابه عن اجتماع الإطار ليلة الانتخابات، وهو ما فُسّر بأنه "خروج من دائرة القرار".
ومع ذلك، لا يزال السوداني يمتلك فرصة للبقاء في السباق في حال تمسّكه بمظلة الإطار، بحسب مصادر مطلعة.

فوضى التحالفات
تحالف "الإعمار والتنمية" الذي يقوده السوداني، ورغم تصدره نتائج الانتخابات، يُنظر إليه داخل الإطار بوصفه تحالفاً غير متجانس، يضم رجال أعمال وقيادات دينية وشيوخ عشائر. وتخشى قيادات شيعية أن يتعرض هذا التحالف للتفكك في أول اختبار تفاوضي.
وفي المقابل، يؤكد قياديون في "الإعمار والتنمية"، بينهم مشرق الفريجي، أن التحالف "متماسك" وأنه "يسعى لإقناع الشركاء بالولاية الثانية"، كاشفاً عن تشكيل لجنة تفاوضية لبدء مشاورات المرحلة المقبلة.
وأكد الفريجي لـ"النهار" أن السوداني هو مرشحهم الوحيد لرئاسة الوزراء، وأن الأيام المقبلة ستفرز نتائج في صالح "الولاية الثانية".
"دولة القانون" يطرح رسالة سياسية
وعلى خط موازٍ، أكد النائب عقيل الفتلاوي، المتحدث باسم "ائتلاف دولة القانون" الذي يتزعمه المالكي، لـ"النهار" أن النتائج أظهرت زيادة تجاوزت 250 ألف صوت لائتلافه، "في مؤشر إلى تصاعد الثقة بالمشروع السياسي للكتلة".
وأشار إلى أن "الإطار" يمتلك القدرة العددية لإعلان الكتلة الأكبر في الجلسة الأولى، مشيراً إلى أن "اختيار رئيس الوزراء لن يعتمد على عدد المقاعد، بل على معايير جديدة تتعلق بإدارة السلطة ومنع الاستفراد بالقرار".
وأكد أن المرحلة المقبلة قد تشهد "مرشح تسوية يحظى بإجماع الإطار".
مشهد سنيّ مرشح لإعادة التشكل
ويرى الباحث السياسي أمير الدعمي أن التحالفات العابرة للطوائف "غير واردة" حالياً، بسبب البنية الانتخابية القائمة على الأسس المناطقية والطائفية.
وأشار الدعمي في تعليق لـ"النهار" إلى أن المشهد السني يتجه نحو "رعاية تركية مباشرة" لتقريب القوى المتنافرة.

ورقة ضغط كردية للتفاوض
وحقق الحزب الديموقراطي الكردستاني فوزاً لافتاً بنحو مليون صوت، مقابل نصف هذا العدد للاتحاد الوطني الكردستاني، ما يمنح "الديموقراطي" قدرة واسعة على فرض شروطه في مفاوضات تشكيل الحكومة، خصوصاً في ما يتعلق بالتحالفات العابرة للطوائف.
بعد إعلان النتائج النهائية، من المقرر أن تصادق المحكمة الاتحادية عليها، ثم يصار إلى إصدار رئيس الجمهورية مرسوماً يدعو البرلمان للانعقاد خلال 15 يوماً وانتخاب هيئة الرئاسة، وبعد 30 يوماً من عقد تلك الجلسة، يفتح باب الترشيح لانتخاب رئيس الجمهورية. وبعد انتخابه يكلف رئيس الجمهورية الجديد مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، على أن يقدم رئيس الوزراء المكلف تشكيلته خلال 30 يوماً.
تبدو الولادة الحكومية المقبلة محكومة بمخاض سياسي عسير؛ فالمعادلة محكومة بتقاطعات إقليمية ودولية، وبخلافات شيعية – شيعية على موقع رئاسة الوزراء، وصراعات سنية وكردية على المكاسب التفاوضية.
نبض