محمد بن سلمان في البيت الأبيض: ممَّ تخاف إسرائيل؟
ينظر المسؤولون الإسرائيليون اليوم إلى البيت الأبيض، فيتوجسون من صورة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مبتسماً فيما يحادث الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مسائل مهمة، تعيد تشكيل الخارطة الأمنية في الشرق الأوسط.
إنه بلا شك حدث محوري؛ فترامب لا يتراجع عن سعي دؤوب لتتويج إرثه السياسي بضم المملكة العربية السعودية إلى نادي "اتفاقات إبراهام"، وتشكيل تحالف إقليمي "قوي ومستدام" ضد إيران، فيما تسعى الرياض للحصول على حزمة ضمانات أمنية أميركية شاملة: اتفاق دفاعي ومقاتلات "إف-35" المتطورة ودعم لبرنامجها النووي المدني.
هذا كله يثير حفيظة تل أبيب، إذ ترى في أي صفاء أميركي – سعودي عملية مقايضة استراتيجية عالية المخاطر، فترتاب أوساطها الأمنية والعسكرية من كل ما يمكن أن يمسّ، ولو من بعيد، بتفوق إسرائيل النوعي، عسكرياً ونووياً، وبدورها الشرق أوسطي.
هواجس التفوق
يتقدم "الهاجس الحربي" دائماً في تل أبيب، وهو يتمثل اليوم في خشية من تآكل الردع العسكري وفقدان التفرد في امتلاك الأسلحة المتقدمة، في ضوء طلب الرياض 48 مقاتلة "إف-35" الشبحية، علماً أن إسرائيل هي الوحيدة في المنطقة التي تملك هذا الطراز من مقاتلات الجيل الخامس.
ووصف وزير البنية التحتية الإسرائيلي السابق يوفال شتاينتس هذه الصفقة – إن تمت - بأنها "مقلقة جداً"، مشدداً على أن السعودية لا تزال "دولة معادية لإسرائيل".

تقليدياً، عارضت إسرائيل دائماً تزويد أي دولة إقليمية أسلحة متطورة تهدّد تفوقها، وهذا ظهر جلياً في معارضتها بيع هذا الطراز من المقاتلات الى تركيا. وموافقة "إدارة ترامب" المحتملة على بيع هذه المقاتلات الى السعودية - ضمن سياق توطيد العلاقات الثنائية والضغط على الرياض للانضمام إلى نادي اتفاقات إبراهام - يدلّ على تحول أميركي استراتيجي يضع تشكيل تحالف إقليمي مواجه لإيران في رأس أولوياته. وفي تل أبيب من يسمي هذا التحول تنازلاً كبير للمملكة.
وإذ ترى القيادة الإسرائيلية في هذا التحول خطراً كبيراً عليها، تحاول توسيع مروحة مخاوفها، ورفع منسوب الضغط على واشنطن عشية زيارة ولي العهد السعودي، متحدثة عن خشية من وصول تقنيات "الشبح" الحساسة إلى الصين، بناءً على التعاون السعودي – الصيني الوثيق تقنياً، في ربط "غير وثيق تماماً" بين الهواجس الإسرائيلية والأميركية المتصلة بالأمن التقني ضد الصين.
إلى ذلك، ترى تل أبيب في الملف النووي المدني السعودي، وخصوصاً مسألة تخصيب اليورانيوم، تهديداً وجودياً طويل الأمد لها، لأنه يقوّض سياسة "الغموض النووي" التي تنتهجها تل أبيب، ويلغي احتكارها الإقليمي للقدرات النووية. وليس سراً أن تل أبيب تعارض تماماً فكرة وجود منشآت لتخصيب اليورانيوم في أي دولة عربية، رغم أن الأوساط الإسرائيلية تميل إلى وضع "موافقة محتملة على برنامج نووي سعودي مع ضوابط صارمة" في خانة "الثمن المقبول"، إن كان ذلك جزءاً من اتفاق تطبيع شامل برعاية أميركية ضامنة. إلا أن تقارير أشارت إلى أن التعاون النووي الأميركي مع السعودية "لم يعد مرتبطاً بالتطبيع مع إسرائيل".
فقدان السيطرة
ثاني المخاوف الإسرائيلية من هذه الزيارة تكمن في الوقوع تحت ضغوط ديبلوماسية قسرية أميركية لتقديم تنازلات مرفوضة، في ما يتعلق بمسار تتمسك به الرياض نحو قيام دولة فلسطينية مستدامة، وفقاً لمبدأ "حلّ الدولتين". فإسرائيل تخشى فقدان سيطرتها على مستقبل غزة، أمنياً ومدنياً.
فبينما تسعى تل أبيب للحفاظ على سيطرة أمنية طويلة الأجل، تتفق السعودية وأميركا على "الانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع". كما أن الدور التمويلي والإغاثي الذي ستؤديه السعودية بدعم من واشنطن يمنح الرياض نفوذاً كبيراً لفرض وجهة نظرها في الأجندة الإقليمية. ويضمن ربط إعادة الإعمار والتمويل بمسار لا يخدم الأهداف الأمنية الإسرائيلية، إنما يخدم ضمان قيام الدولة الفلسطينية. هذا يعني أن إسرائيل ستُجبر على القبول بأجندة إقليمية ودولية متعددة الطرف، بدلاً من تشكيل مستقبل غزة بشكل أحادي.
وهذا لا يتوقف عند حدود غزة، فأي اتفاق أمني شامل بين الولايات المتحدة والسعودية سيفرض إطاراً إقليمياً جديداً يقيد "حرية عمل إسرائيل الاستراتيجية" في الجبهتين السورية واللبنانية، اللتين تمثلان نقاط تماس حيوية مع وكلاء إيران.
تخشى إسرائيل من أن يُترجم هذا الاتفاق إلى ضغط أميركي لـ "تخفيف" الضربات في سوريا، أو حتى في لبنان، لضمان استقرار التحالف الإقليمي الجديد، والحفاظ على علاقات الرياض الجديدة مع طهران، ما يعني اضطرار إسرائيل للتنازل عن جزء من مرونتها الاستراتيجية ثمناً لإنجاح المظلة الأمنية الإقليمية الأوسع التي ترعاها واشنطن.

تحدي الاستبدال الاستراتيجي
صنّفت واشنطن إسرائيل دائماً "البديل الإقليمي" الذي يملأ الفراغ الأمني حين تتحول أولوياتها إلى مناطق أخرى في العالم، إلا أن تداعيات "طوفان الأقصى" كشفت، وفقاً لدراسات أميركية، عن "هشاشة" هذا البديل.
هذه الهشاشة توفر لواشنطن مبرراً لتعزيز شراكة أمنية قوية مع السعودية، وبالتالي تخفيف الاعتماد الأمني على إسرائيل وحدها، في تحول ربما يعني انتقال إسرائيل من وضعية "شريك أميركا الأوحد" إلى "الشريك المزدوج" مع السعودية. وهذا الانتقال يحد من نفوذها الاستراتيجي على القرارات الأمنية الأميركية في المنطقة.
وحرص واشنطن على توسيع دائرة التطبيع على قاعدة اتفاقات إبراهام يرجع إلى وجهة نظر راسخة، تشغل فيها إسرائيل منصب "البديل الإقليمي"، إلا أن قمة بن سلمان – ترامب قد تفتح آفاقاً لعملية السلام في المنطقة لا تتوافق مع الأحلام الإسرائيلية.
نبض