السوداني والحلبوسي وحزب البارزاني في صدارة نتائج انتخابات العراق: تحالفٌ لـ"ولاية ثانية" أم للتوازنات رأي آخر؟
كرّس رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني موقعه رقماً صعباً في المعادلة الشيعية الداخلية، بعدما حقق فوزاً انتخابياً لافتاً، ومثله فعل رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي في الساحة السنّية، والحزب الديموقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني في الساحة الكردية.
لكنّ النصر الانتخابي لم يحمل معه مؤشرات "اكتساح" كافية لحسم مصير معركة رئاسة الوزراء وتشكيل حكومة ما بعد الانتخابات، إذ ستخضع النتائج الأولية التي أعلنتها أمس مفوضية الانتخابات العراقية لحسابات تفصيلية من القوى الحزبية داخل كلّ مكوّن، وبين مكوّن وآخر، لتشكيل تحالفات تفضي إلى "الكتلة الأكبر" التي تؤول إليها مهمة تسمية رئيس الوزراء المقبل.

وأخذاً في الاعتبار التنافس الشديد داخل "الإطار التنسيقي" الذي يضمّ القوى الشيعية الرئيسية، والذي خاضت قواه المتعددة الانتخابات بلوائح متناثرة، وفي ظل غياب التيار الصدري الذي قاطع الانتخابات بأمر زعيمه مقتدى الصدر، يرصد خبراء ما ستكون عليه مواقف القوى السنية والكردية الفائزة، وإلى أيّ من التيارين الشيعيين ستميل: تيار السوداني الساعي إلى ولاية ثانية، أم تيار خصومه الساعين بقيادة زعيم "ائتلاف دولة القانون" نوري المالكي إلى الحؤول دون تحقيق طموح رئيس الوزراء الحالي بالبقاء.
وحملت النتائج الأولية دلالات لافتة في بغداد، ففيما كان تصدُّر "ائتلاف الإعمار والتنمية" بزعامة السوداني نتائج الانتخابات متوقعاً، شكّل حلول حزب "تقدّم" بزعامة الحلبوسي في المرتبة الثانية تحوّلاً مهماً في حسابات المكوّن السنّي داخل العاصمة، في ظل تقدّمه على ائتلاف المالكي.
رمزية نتائج بغداد
وحصد ائتلاف السوداني في بغداد أكثر من 411 ألف صوت، ما يؤهله لـ15 مقعداً نيابياً، وحلّ "تقدّم" بزعامة الحلبوسي ثانياً بـ 284 ألف صوت، ما يؤهله للحصول على 10 مقاعد، متقدماً على "ائتلاف دولة القانون" بزعامة المالكي وقد حلّ ثالثاً بـ 228 ألف صوت (8 مقاعد)، ثم "تحالف قوى الدولة الوطنية" بزعامة عمار الحكيم بنحو 139 ألف صوت (5 مقاعد)، تليه كتلة الصادقون بـ 128 ألف صوت (5 مقاعد)، ثم تحالف "عزم العراق/عزم" بنحو 128 ألف صوت (5 مقاعد)، تلته منظمة "بدر" بـ 116 ألف صوت (4 مقاعد)، ثم تحالف "سيادة الوطني – تشريع" (4 مقاعد)، وتوزعت باقي مقاعد العاصمة على ائتلافات أخرى.

وحقق الحلبوسي وحلفاؤه فوزاً كاسحاً في الأنبار وصلاح الدين، وحلّ ثانياً في نينوى.
ووفق مراقبين عراقيين، سيسعى المالكي إلى "تجميع" مقاعد القوى الحليفة ضمن "الإطار التنسيقي" من دون السوداني، إضافة إلى مقاعد لقوى أخرى، فيما سيعمل رئيس الوزراء إلى جذب المزيد من المقاعد إلى كتلته الانتخابية من خلال فائزين من قوى ليست منضوية ضمن الإطار التنسيقي أو محسوبة عليه.
الحسابات الخارجية
وعلى أهمية نتائج الانتخابات وعدد المقاعد لكلّ من القوى الفاعلة، يبقى للعامل الخارجي تأثيره الفاعل في تحديد مسار الأمور في المرحلة المقبلة، بما يشكّل اختباراً لنفوذ كلّ من الولايات المتحدة وإيران.
فعلى مدى أكثر من 20 عاماً منذ إسقاط نظام صدام حسين عام 2003، تمكنت إيران من فرض نفوذها الكبير والمؤثر في العراق على مختلف المستويات، في موازاة نفوذ أميركي لم يبقَ على وتيرة واحدة، إذ شهد مراحل صعود وهبوط، ولا سيما بعد الانسحاب العسكري الأميركي في عهد الرئيس باراك أوباما عام 2011. وشكّل سقوط ثلث الأراضي العراقية بيد "داعش" عام 2014 نقطة تحوّل مفصلية في البلاد، إذ دفع الحدث إلى تشكيل "الحشد الشعبي" الذي تُعتبر معظم فصائله موالية لإيران لمواجهة التنظيم، فيما انخرطت الولايات المتحدة مع القوات العراقية في الحرب التي أفضت في 2018 إلى إنهاء سيطرة "داعش" على المناطق التي سيطر عليها.
وإلى ذلك الحدث المفصلي، شكّل هجوم حركة "حماس" على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر وتداعياته على غزة ولبنان وإيران حدثاً مفصلياً آخر، بعدما حبس العراقيون أنفاسهم تحسّباً لانخراط الفصائل الشيعية في المواجهة. لكن عدا مناكفات متقطعة بإطلاق صواريخ على قواعد أميركية وردود عليها، لم تذهب الفصائل بعيداً وخصوصاً في ظل ما تعرّض له "حزب الله" في لبنان من خسائر كبيرة.
تجنّب الحرب
ومع أن السوداني خاض الانتخابات تحت شعارات عدة ركّزت على "الإعمار والتنمية"، بعدما شهدت بغداد نهضة عمرانية وتنموية ينتقد خصومُه ظروفَها، لم يفته الاستثمار في "تجنيب العراق الحرب" باعتباره ذلك ثمرة لجهوده الديبلوماسية، مؤكداً أنه يلتزم حصر السلاح بيد الدولة وعدم السماح للفصائل المسلحة بجرّ العراق إلى حرب مع إسرائيل.
أمّا خصومه من داخل البيت الشيعي فلهم حساباتهم التي تجعل معركتهم المقبلة هي منعه من البقاء لولاية ثانية، رافعين ضده اتهامات بـ"فساد غير مسبوق شهدته حكومته"، وأخرى بـ"التماهي مع السياسة الأميركية" و"تقديم تنازلات داخلية لمكوّنات أخرى"، بينما يقول خبراء إن الأسباب الرئيسية لمعارضتهم ولاية ثانية له تتعلق أساساً بمخاوفهم من انتهاجه سياسة إقصائية ضدّهم للاستفراد بالحكم.

وجاء الفيديو الذي نُشر قبل ثلاثة أيام من الانتخابات ويجمع المبعوث الأميركي إلى العراق مارك سافايا مع السوداني في أجواء ودية جداً، ليرسل إشارات إلى أن السوداني ربما اختار سبيله إلى معركة الولاية الثانية بدعم أميركي، في ظل تراجع النفوذ الإيراني.
لكنّ كثيرين في العراق يتمهّلون في التوصل إلى استنتاجات حاسمة، سواء من فيديو ودّي، أو من فوز انتخابي.
نبض