انتخابات العراق: صراع الولاية الثانية لا تحسمه الصناديق وحدها
في فيديو دعائي بثته منصاته عبر وسائل التواصل الاجتماعي أول أمس، قارن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بين مرحلتي ما قبل 2003 وما بعدها. قبلها كانت الديكتاتورية وقرارات الحاكم الذي يتخذها بنفسه وبالتالي يتحمل مسؤوليتها وحده. و"بعد 2003 وصلنا إلى الدورة (البرلمانية) السادسة التي فيها تعيين للحاكم من قبل الشعب، فالمسؤولية هنا يتحملها الحاكم والشعب الذي اختار هذا الحاكم".
لا تخفى هنا الرسالة التي يريد رئيس الوزراء الساعي إلى ولاية ثانية إيصالها، قبيل الانتخابات النيابية المقررة يوم الثلاثاء المقبل، وهو المرتاح نسبياً إلى التوقعات التي ترجّح فوزه بما قد يتجاوز الـ 50 مقعداً (من 329)، ويتحدث مؤيدوه عن أكثر من 60، مع رهان على جذب المزيد إلى صفه إذا نجح في مسعاه التجديدي. لكنّ رسالة السوداني يبدو أنها تتجاهل الواقع الذي يعرفه كما غيره من القوى السياسية الفاعلة وقادة الأحزاب والتحالفات، ومفاده أن "خيارات الشعب" الانتخابية في العراق لا تعني أن الفائز هو الحاكم الآتي، حتى إن كانت أكثريته النيابية واضحة.
حسابات "الإطار" لرفض السوداني
ووفق أوساط سياسية عدة تحدثت إليها "النهار"، فإن "صراع الولاية الثانية" هو الذي يتحكم بالمرحلة المقبلة، والانتخابات النيابية ليست سوى محطة تفصيلية في المواجهة بين رئيس الوزراء الساعي إلى التجديد وخصومه من القيادات الشيعية في "الإطار التنسيقي" الذي يجمعهما، وهؤلاء أولويتهم منعه من تحقيق مبتغاه.
وتقول مصادر عراقية إن رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي يتصدر فريق التصدّي لمسعى السوداني، انطلاقاً من مفارقة لافتة: لا يريد رافضو الولاية الثانية للسوداني أن "يستقوي" على حلفائه وخصومه في آن، وهي الصفة التي صبغت الولاية الثانية للمالكي نفسه بين 2010 و2014، حين تعززت الشخصية القوية لرئيس الوزراء الأسبق والتي أثارت إشكاليات وخصومات داخلية وخارجية، يراها خصومه مثلبة في مسيرته ويحمّلونه جراءها مسؤولية تفشّي الفساد وسيطرة "داعش" على ثلث العراق، ويعدّها مؤيدوه نقطة قوة و"هيبة" للحالة الشيعية في مرحلة ما بعد حكم صدام حسين، إذ يستخدمها المُغالون من أنصار المالكي الآن في الدعوة إلى عودته إلى الحكم بعد الانتخابات، رداً على "ضعف" يتّهمون السوداني به حيال واشنطن وفرقاء الداخل.
ومع أنّ ثمة إجماعاً على أن اسم رئيس الوزراء المقبل لا يزال يخضع للتجاذبات الخارجية، وخصوصاً بين واشنطن المتقدمة وطهران المتراجعة، إلا أن التعقيدات الداخلية ستكون الأكثر تأثيراً في اتخاذ القرار، ومن شأن ذلك أن يدفع الأمور إلى شهور من الاستعصاء. أمّا في حال طرأت تطورات ميدانية عسكرية في ظلّ التحذيرات الأميركية والإسرائيلية المتصاعدة للفصائل العراقية المسلحة، فسيكون ثمة حديث آخر.
السوداني متحدثاً في إعلان لائحته الانتخابية. (أ ف ب)
حصر السلاح
ويحظى ملف حصر السلاح بيد الدولة باهتمام متزايد من الإدارة الأميركية، وهو ما يتلقفه السوداني بتأكيده مراراً أن حكومته اتخذت خطوات في هذا الاتجاه، مؤكداً في رسائل مباشرة وأخرى عبر وسطاء، نأيه عن الفصائل المسلحة ولا سيما منها غير المنضوية تحت عباءة "الحشد الشعبي". لكنه يحرص في الوقت نفسه على عدم استفزاز تلك الفصائل قبل الانتخابات، إذ قال في حديث إلى "رويترز" أخيراً إنه لا يمكن نزع سلاح الفصائل المسلحة إلا بعد انسحاب قوات التحالف الدولي.
انتخابات الثلاثاء المقبل هي الأولى في العراق بعد التحولات الدراماتيكية التي شهدتها المنطقة عقب أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر ٢٠١٣. فبعدما طالت الحرب الإسرائيلية قطاع غزة ولبنان وإيران، إضافة إلى سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، شخصت العيون نحو العراق باعتباره حليفاً لإيران وفيه فصائل تابعة لها ومموّلة منها، تخوّفاً من احتمال الانخراط في المواجهة. وإذ نجحت الجهود في تحييد العراق طوال عامين، عادت إلى الواجهة في الأيام الأخيرة تلميحات وتصريحات إسرائيلية عن استخدام الأراضي العراقية لتهريب المال والسلاح إلى "حزب الله" في لبنان عبر الأراضي السورية، رغم سقوط النظام الحليف له هناك وحلول آخر لا يكنّ للحزب أيّ ودّ، بل يعدّه عدوّاً. فهل تنعكس تحولات العامين الأخيرين في صناديق الاقتراع العراقية؟
تؤدي الظروف المحلية الداخلية بامتداداتها العائلية والعشائرية دوراً مهماً في تحديد خيارات الناخبين، لكن ذلك لا يلغي تأثير الخيارات السياسية الكبرى. معركة الصناديق التي ستُفتح الثلاثاء ستفتح بدورها معركة أوسع وأشمل بعد تبيان النتائج. حينها قد تتغيّر تحالفات وتنقلب أدوار، في مرحلة تحبس أنفاس العراق والمنطقة إلى أمد ليس قريباً.
نبض