زاسبكين لـ"النهار": حلّ النزاعات أو الانزلاق إلى الحرب النووية... وتغييرات الشرق الأوسط لم تؤثر على الدور الروسيّ
كانت الدول العربية وروسيا على موعد هذا الشهر مع قمة تطرح خلالها القضايا المشتركة، لكنّها لم تنعقد لتزامن وقتها مع وقف إطلاق النار في غزة وقمة السلام الأميركي في شرم الشيخ.
وانطلاقاً من حرب غزة، شهد الشرق الأوسط متغيرات جيوسياسية ضخمة، أبرزها سقوط نظام بشار الأسد، حليف روسيا الأقرب، وتراجع النفوذ الإيراني. وفي إطار البحث في تداعيات هذه المسائل، يقول الدبلوماسي الروسي المخضرم ألكسندر زاسبكين إن التضامن مع روسيا يتجاوب ومصالح المجتمع الدولي، "فهذا التضامن يخدم هدف استبعاد الحرب العالمية الثالثة، ويفتح طريقاً أمام الانفراج العالمي"، بما في ذلك تسوية النزاع العربي الإسرائيلي.
وفي حديث خاص مع "النهار"، شدّد سفير روسيا السابق لدى لبنان على اعتبار أن "ليس مطلوباً من روسيا أن تطرح أيّ مبادرة، أو تتخذ خطوات نوعية في الشرق الأوسط، إنما عليها مواصلة النهج الحالي، لأنه متوازن ومفهوم لجميع الأطراف المحلية"، مؤكّداً أن هموم روسيا الأساسية تكمن في الإقليم الأوراسي والأطلسي، وبالتحديد على الساحة الأوكرانية.
إليكم الحوار كاملاً:
كيف تأثر الدور الروسي في الشرق الأوسط بالتغيرات الجيوسياسية في العامين الماضيين؟
لا أظن أن التغييرات التي حصلت في الشرق الأوسط خلال السنتين الماضيتين أثرت في دور روسيا في المنطقة من الزاوية الجيوسياسية، باعتباره عامل استقرار وتأييد للحقوق المشروعة والعادلة لدولها وشعوبها. فروسيا تتمسك بمبادئ سياستها في عهد الرئيس فلاديمير بوتين، خصوصاً احترام سيادة الدول وقراراتها السيادية، ورفض التدخلات الخارجية. أودّ أن أشير هنا إلى أن روسيا تسعى إلى تطوير العلاقات المتوازنة مع جميع دول المنطقة، على قدم المساواة. والجدير بالذكر أن هذا المنطق لا يتعلق بالدول العربية وحدها، بل بكل دول آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية.
سوريا في الشرق الأوسط والجزائر في شمالي أفريقيا وغيرهما... كانت دولاً تعتبرها روسيا حليفة. هل ترى موسكو أن العلاقة مع الدول العربية تتراجع لمصلحة الغرب؟
كان هذا الواقع يتميز به الاتحاد السوفياتي. وفي عهد الرئيس الراحل بوريس بلتسين، تغيرت الصورة وتراجعت وتيرة العلاقات مع الحلفاء والأصدقاء مثل سوريا والجزائر. ثم عاد دور روسيا قوياً في عهد الرئيس فلاديمير بوتين، لأن النهج السياسي أصبح متوازناً ومبنياً في الدرجة الأولى على الشرعية الدولية وعلى المصالح المشتركة. وكانت روسيا تسعى إلى التعاون مع الجميع، بما في ذلك الدول الغربية، إلّا أن هذه الدول، خصوصاً الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، تدخلت في الشؤون الداخلية للدول العربية، وشجّعت ما يسمى "الربيع العربي". وقفت روسيا ضد هذه التدخلات، خاصة في ضوء عملية حلف الناتو في ليبيا التي أدت إلى تفكيك الدولة.
تعزز النهج الروسي الرافض للتدخلات الخارجية في سوريا، حتى المشاركة العسكرية. وكانت روسيا تدعو دائماً إلى تطوير الحوار الوطني السوري، على أساس الحفاظ على وحدة الدولة وسيادتها، واحترام الحقوق المتساوية لكافة مكونات المجتمع. وفي ظروف التصعيد، وسقوط النظام الحاكم، تم التواصل بين روسيا والسلطات الجديدة، وأقامت التفاهمات معها على أساس المصالح المشتركة في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية. ويمكن القول اليوم إن علاقات روسيا وثيقة مع أكثرية دول المنطقة بطابع مستقرّ ونموّ متواصل، مع التفاهم بخصوص أهم القضايا الدولية والإقليمية.
بالنسبة إلى الدول العربية، أعتقد أن الحوار الروسي – الأميركي -إذا استمرّ- يُمكن أن يمتدّ إلى قضايا الشرق الأوسط، وأن يشمل موضوع النزاع العربي – الإسرائيلي. لكن الحديث عن ذلك اليوم سابق لأوانه. أمّا الاتحاد الأوروبي وحكامه فيقفون ضد روسيا في كل المسائل الكبيرة والصغيرة المطروحة على الصعيد الدولي، غير أن صوتهم ليس قوياً للتأثير الحقيقي على مواقع روسيا في الشرق الأوسط.
لماذا لم تعقد القمة العربية - الروسية؟
تأجلت القمة العربية التي كان من المنتظر عقدها في أواسط تشرين الأول/أكتوبر الجاري، بسبب النشاط الديبلوماسي المكثف لتنفيذ الخطة الأميركية لوقف الحرب في غزة. في الواقع، ومن دون أيّ شك، سيتم هذا الحدث السياسي المهم بعد تحديد موعد جديد له، وسيمثل خطوة مهمة في مسيرة تطوير العلاقات الروسية – العربية. والجدير بالذكر أن التعامل بين روسيا وجامعة الدول العربية قائم منذ سنوات، على مستوى وزراء الخارجية.

ثمة مصالح مشتركة مع العرب. هل يصطدم تفعيل العلاقات معهم بالمصالح الأميركية؟
لا تسعى روسيا إلى منافسة أحد على الساحة الشرق أوسطية. وهي تسعى قدر الإمكان إلى تطوير تعاون اقتصادي وعسكري وثقافي، اعتماداً على المصالح المشتركة مع الدول العربية، والذي يمكن معه تجنب التأثير السلبي للعقوبات الغربية، خصوصاً في المجال المالي.
كثر الحديث عن تراجع الثقة العربية بالضمانات الأمنية الأميركية بعد استهداف قطر. هل يمكن روسيا أن تكون شريكاً أمنياً ضامناً لاستقرار الشرق الأوسط؟
تسعى روسيا إلى إقامة نظام الأمن المشترك في العالم كله، بما فيه الشرق الأوسط. وهذا يتطلب مشاركة الأطراف الإقليمية والدولية المعنية كلها. وستكون روسيا في صدارة الدول العاملة لتحقيق هذا الهدف. المتغيرات التي حدثت في الشرق الأوسط أدت إلى تداعيات متنوعة، وواضحٌ أن المنطقة تقف على مفترق طرق. هذه حالة عامة في العالم.
ما الخطوة التالية التي قد تتخذها روسيا لإنقاذ مصالحها في المنطقة؟
ليس مطلوباً من روسيا أن تطرح أيه مبادرة أو تتخذ خطوات نوعية في الشرق الأوسط، إنما عليها مواصلة النهج الحالي، لأنه متوازن ويفهمه الجميع. ومعروف أن هموم روسيا الأساسية وأهدافها تكمن في الإقليم الأوراسي والأطلسي، بالتحديد على الساحة الأوكرانية. إن المواجهة بين روسيا والغرب ظاهرة أساسية على الصعيد العالمي، وستحدّد نتيجتُها طبيعةَ العلاقات الدولية في المستقبل. البشرية متجهة إلى تنقية الأجواء وإعادة الاستقرار وتنشيط جهود إيجاد الحلول للقيم الأساسية: الأمن والاستقرار الدوليين، ومراقبة السلاح، وحلّ النزاعات... وإلا الانزلاق إلى حرب نووية. ولا بدّ من الإشارة إلى الخطر الناتج من تصرّفات حكّام أوروبا، المبنية على الـ"روسوفوبيا".
في المقابل، ما الخطوة التي تتوقعها روسيا من دول المنطقة؟
تسعى روسيا إلى إيجاد قواسم مشتركة مع الإدارة الأميركية. أمّا تضارب المصالح فيتعلق بما تسميه الولايات المتحدة العولمة الليبرالية التي تؤيد النظام "النازي" في كييف، وتسعى إلى مواصلة الحرب حتى آخر أوكراني. ومن خلال هذه الحرب، تسعى إلى استنزاف روسيا وتثبيت السيطرة الغربية على العالم. انطلاقاً من هذا، التضامن مع روسيا يتجاوب ومصالح المجتمع الدولي، لأنه يخدم هدف استبعاد الحرب العالمية الثالثة، ويفتح الطريق أمام الانفراج العالمي، والعودة إلى مناقشة جديّة لقضايا ضمن الأجندة الدولية، بما في ذلك تسوية النزاع العربي - الإسرائيلي على أساس قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ومن دون ذلك، لن تتحقق طموحات الشعوب العربية.
نبض