الكرة اللبنانية تتحدى الانهيار... وتؤمّن موطئ قدم بين كبار القارة
إنجازان على المستوى القاري سطّرتهما كرة القدم اللبنانية في الأسابيع الماضية: ناشئات لبنان تحت الـ 17 سنة بلغن نهائيات كأس آسيا 2026، والمنتخب الأولمبي، قبل ذلك، سبقهنّ بتأهّل مماثل، كما منتخب الصالات.
يتجاوز الإنجازان حدود الرياضة ليصبحا مرآةً حقيقية لإرادة ترفض السقوط رغم كل ما يحيط باللعبة من أزمات وضغوط. تلك الإنجازات يؤمل أن تتكلّل في الربيع المقبل بتأهل المنتخب الأول إلى نهائيات كأس آسيا "السعودية 2027"، وبالتالي فإنّ اللعبة الشعبية لا تزال تنبض، وهي قادرة على تجاوز المستحيل، ولو بالحد الأدنى من الإمكانيات.
الحضور الآسيوي للمنتخبات اللبنانية بات اليوم حقيقة لافتة، على الرغم من تواضع ظروف البلاد وكثرة أزماتها، إلا أنّ المنتخبات الكروية تنجح في حجز مقعد ثابت على الخريطة القارية، بينما تعاني اللعبة داخلياً من أزمات لا تحصى. ومع ذلك، يبقى هذا الحضور دليلاً على أنّ الإرادة يمكن أن تنتصر على الانهيار، وأنّ الشغف وحده كفيل بإحياء اللعبة حتى في أحلك الظروف. فالأزمة الاقتصادية التي يعرفها لبنان طالت كل الأندية من دون استثناء، وأدخلت بعضها في حالة عجز شبه تام، الملاعب الكبيرة خرجت عن الخدمة لأسباب متعددة، بعضها كيديّ، وبعضها الآخر بسبب القوانين البالية، والموجود منها بالكاد يصلح لاستضافة مباريات محلية، خصوصاً أن أرضها مغطاة بعشب اصطناعيّ، في أغلب الأحيان، ولا يملك لبنان حالياً ملعباً واحداً يستوفي شروط الاتحادين الآسيوي والدولي، ما يضطر المنتخبات الوطنية والأندية إلى اللعب في الخارج بعيداً عن جماهيرها.
وسط هذا الواقع القاسي تبرز مشاهد مشرقة يصعب تجاهلها. منتخب الناشئات تحت الـ 17 سنة كتب واحدة من أجمل الصفحات في تاريخ اللعبة بتأهّله إلى نهائيات كأس آسيا 2026 في الصين، بعد فوزه في التصفيات على منتخبات قوية أبرزها إيران، ليصبح الممثل الوحيد لغربي آسيا في النهائيات. الإنجاز جاء بعد سلسلة من النتائج اللافتة، إذ خاض الفريق 11 مباراة من دون أيّ خسارة، حقّق خلالها 10 انتصارات وتعادلاً واحداً، وسجّل 43 هدفاً مقابل 5 فقط في شباكه.

مشهد الاستقبال في مطار رفيق الحريري الدولي كان أقرب إلى احتفال وطني جامع. لم يخفِ رئيس الاتحاد اللبناني، نائب رئيس الاتحاد الآسيوي، المهندس هاشم حيدر فخره بما تحقّق، فقال إنّ "الإنجاز لم يأتِ صدفة، بل هو ثمرة عمل وجهد متواصلين على مدار سنوات".
وأضاف: "ما حققته ناشئات لبنان هو دليل واضح على تطوّر كرة القدم النسائية في لبنان، وعلى التزام الاتحاد بدعم هذه الفئة وتوفير كل المقوّمات التي تضمن استمرار النجاح". هذه الكلمات لم تكن مجرّد مجاملة بروتوكولية، بل كانت اعترافاً صادقاً بأنّ التطوير ممكن حتى في ظل غياب الموارد. واعترف حيدر بأنّ استمرار النجاح في ظل الواقع الآني "صعب جداً"، مشيراً إلى معضلة غياب الدعم المادي من قبل الدولة اللبنانية، فضلاً عن الدعم التشريعي.
وأشار حيدر إلى أنّ الاتحاد لا يمكنه أن يتحمّل الأعباء وحده، داعياً إلى ضرورة العمل المشترك مع الدولة اللبنانية لإيجاد مصادر تمويل مستدامة، وتحسين أوضاع الملاعب والبنية التحتية بشكل عاجل.
وثمة ملاعب دولية عدة مثل صيدا البلدي وطرابلس الأولمبي وبيروت البلدي وغيرها، موضوعة خارج الخدمة، بالرغم من مبادرات كثيرة قادها حيدر سابقاً لاستثمار هذه المنشآت بدعم من الاتحاد الآسيوي و الـ"فيفا".
ويسعى الاتحاد، برغم الإمكانات المحدودة، إلى تثبيت أسس فنية وتنظيمية للفئات العمرية، وهو ما بدأ يعطي ثماره على أكثر من مستوى. المنتخب الأولمبي، بدوره، أكد حضوره على الساحة الآسيوية؛ وتأهله إلى النهائيات القارية شكّل امتداداً لهذا المسار المتصاعد الذي يعتمد على العمل القاعدي، وعلى جيلٍ جديد من اللاعبين يملك الرغبة والطموح قبل كل شيء.
إنّ المتأمل للمشهد الكروي اللبناني يلحظ التناقض الصارخ بين هشاشة الواقع وجرأة الطموح. فبينما تكافح الأندية من أجل البقاء، والبطولات المحلية تقام بميزانيات محدودة، وعلى ملاعب اصطناعية، تنجح المنتخبات الوطنية في فرض نفسها على المستوى القاري. بين واقعٍ مأزوم وملاعب مغلقة، تفرض منتخبات الفئات العمرية إرادة تصنع الفارق، وإصراراً على أن يكون للبنان موطئ قدم بين كبار القارة.
نبض