حضر الألماني هانسي فليك إلى برشلونة مثل قطّ وديع، ثمّ سرعان ما انغمس في بيئة كاتالونيا، حتى أظهرت كلّ ما فيه من صفات قد تكون حبيسة في داخله؛ فقد كانت إشارته الخارجة عن السياق في مباراة فريقه أمام جيرونا ذات دلالات، ودفع ثمنها بطاقة حمراء من الحكم جيل مانزانو.

إشارة فليك بالانتصار رفعها قبل ذلك لابورتا في مباراة كأس السوبر الإسبانية، أثناء حضور بعض مسؤولي الاتحاد الإسباني، في إشارة إلى انتصاره عليهم. لكن الحدث مرّ مرور الكرام، ومع ذلك يبدو أنّ المدرب الألماني بدأت تنتابه مشاعر القطّ.

اكتسب فليك ثقة شديدة بنفسه، بعد مرور أكثر من عام على تجربته مع برشلونة، فقاده هذا الإحساس لإدراك أنّ التصرفات الاستثنائية قد تؤتي ثمارها في "مونتجويك"، فاستطاع إشراك قلب الدفاع الأوروغوياني رونالد أراوخو كرأس حربة، واستطاع تسجيل هدف الفوز واقتناص ثلاث نقاط كانت في الهواء.

شاهد فليك بعينه كيف قرّر جيل مانزانو إلغاء هدف لصالح برشلونة، وتجاوز عن احتساب ركلة جزاء بعد الاعتداء على الجناح الإنكليزي ماركوس راشفورد، وتسبّب في إشعال المباراة بأخطائه؛ لذا كانت الحركة عفويّة، لكنها أتت رداً على كلّ ما فعله صاحب الصفّارة داخل الملعب.

بعد طرد المدرب هانسي فليك من مباراة فريقه أمام جيرونا. (أ ف ب)

لدى القطط مخالب حادّة، ففي ليلة كان فيها جيل مانزانو الرجل الخطأ في الموعد الخطأ، التقى برشلونة منافسه أوساسونا خارج الديار. وقتها، كان تشافي هيرنانديز هو من يتولّى مسؤولية المدير الفني، فلم يتردّد حامل الصفّارة في إظهار الطرد للمهاجم روبرت ليفاندوفسكي. وبين شوطي المباراة، واجه الحكم وابلاً من الكلمات الحادة عبر المدافع جيرارد بيكيه لاعب الـ"بلوغرانا"، كانت مثل الخناجر. لم يعبأ اللاعب بما سيدوّنه في تقريره، لأنه قد اتخذ قراراً باعتزال الكرة نهائياً لذا لا مانع من الانتقام في المعركة الأخيرة قبل الرحيل؛ والأهم أنّ الفريق فاز في المواجهة أيضاً كما حدث في موقعة جيرونا.

من كان له تجربة في تربية القطط والكلاب سوياً سيدرك الفارق بينهما. يأتي القط إلى الإنسان بتلقائية، وكأنه يقول "أنا أعلم أنك تحبّني" وليس "هل ما زلت تحبني؟". هنا تبدو أقوى دلالات الثقة بالنفس. يدرك فليك أنّ المال يصنع بعض المعجزات، لكن إذا لم يتوفّر، فلن نقف مكتوفي الأيدي نشاهد الانهيار؛ لذا كانت خطوة إشراك أراوخو كمهاجم، وأيضاً سحب لامين يامال من أرض الملعب، لأنّ كرة القدم للمجتهدين.

لدى الكلاب أفكار شائعة، "هؤلاء القوم يطعمونني وينظّفونني. إنهم أساطير". لكن القطّ له رؤية مختلفة. "أنا أحصل على الطعام والنظافة إذن أنا أسطورة"، هكذا يبدو الفارق بين الحيوانين في التفكير في داخل المنزل.

يتأمّل فليك الموقف جيّداً، فهو يجلس فوق سطح المنزل ويراقب الوضع. قد يعتقد البعض للوهلة الأولى أنه ينعم بهدوء وسكينة، لكن الألماني لديه من الحكمة ما يخبرنا به بالأفعال وليس الأقوال، إذا استدعت الضرورة إجراء تغييرات، ليس لأنه يعشق الفلسفة، وإنما لأنّ الضرورة تضعنا تحت ضغط.

ذهب فليك إلى مانزانو بعد مباراة جيرونا، كي يخبره أنه لا يقصده بإشارة يده. لكن الحكم لم يستمع، فأراد إخباره بذلك عبر المؤتمر الصحافي. لكن ما قام به الألماني أثلج صدر بعض الأنواع من مشجّعي برشلونة، الذين يدركون كيف تسبّب الحكم في إيذاء الفريق طوال سنوات ماضية بقرارات متباينة.