الدوري المصري بين خديعة الأرقام وغياب الإبداع

يعيش الدوري المصري خلال هذه السنوات حالة من التناقض بين ما تُظهره الأرقام وما يقدمه الواقع داخل الملعب.
الإحصاءات تبدو براقة؛ ارتفاع نسب التمريرات الدقيقة، وتزايد معدلات الاستحواذ، وتنافسية واضحة بين الأندية الكبيرة والصغيرة، لكن عند التعمق في المشهد، يجد المشاهد أنّ الأداء لا يعكس الواقع على أرض الميدان. أداء باهت يغيب عنه الإبداع والمتعة، وكرة القدم المصرية أصبحت باهتة، بلا روح.
في الماضي، كان الدوري المصري بمثابة جوهرة الدوريات العربية، ومصدراً للمتعة الكروية الخالصة التي تجمع المهارة بالحماس. مبارياته كانت تُشعل المدرجات، وتُمتع المشاهدين داخل وخارج البلاد، وتُفرز نجوماً تركوا بصمتهم في تاريخ اللعبة. أما اليوم، ومع التطوّر الكبير الذي شهدته دوريات المنطقة، خصوصاً الدوري السعودي، بدا الدوري المصري عاجزاً عن مجاراة هذا التقدم، وفقد الكثير من بريقه وتراجعت قيمته الفنية والجماهيرية على حد سواء.
المشهد في الكرة المصرية يبدو مفككاً بالكامل بين الفوضى الإدارية، وضعف البنية التحتية وغياب خطط واستراتيجيات واضحة لتطوير اللعبة، إلى جانب ضعف الفكر التكتيكي وغياب الفنيات والمدارس الكروية الحديثة داخل الملعب.
مع بداية الموسم الحالي، ورغم أنه لا يزال في مراحله الأولى، تبدو الأرقام والإحصائيات وكأنها تبشّر بمنافسة قوية. النسب المرتفعة في التمريرات الدقيقة والاستحواذ الذي يصل لدى بعض الفرق إلى 60 أو 70 في المئة، وعدد التسديدات على المرمى الذي يتجاوز عشر تسديدات في المباراة الواحدة، كلها مؤشرات توحي بارتفاع المستوى. الأرقام تكشف أنّ أكثر من 90% من المباريات شهدت تسجيل أهداف، ومعظمها انتهى بفوز أحد الفريقين. الصدارة تتنافس عليها أكثر من ثلاثة فرق، ولا يتجاوز الفارق بينها وبين المركز العاشر سوى 4 نقاط. على الورق، تبدو المتعة حاضرة، لكن على أرض الواقع، يتبيّن أنّ هذه الأرقام لا تعكس حقيقة الأداء. فخلفها تختبئ مباريات بإيقاع بطيء، وجودة فنية محدودة، وأفكار تكتيكية غائبة لدى العديد من المدربين. أصبح التركيز على النتيجة لا الأداء.
الاستحواذ الذي يصل إلى 70% في بعض اللقاءات، هو في الغالب استحواذ بلا فاعلية هجومية. الكرة تُدار في مناطق آمنة، والتمريرات تُنفذ لتسجيل رقم، لا لصناعة الفرص. الكثير من الفرق تلعب بأسلوب دفاعي مفرط، تُغلق المساحات وتكتفي بتأمين المرمى. المحصلة أنّ النتائج تتحقق من دون إقناع، والمدربون يرفعون شعار "الصلابة قبل الجمال"، واللاعب أصبح أسيراً لـ"اللعب الآمن". في المقابل، تفتقد الجماهير اللمسة الفنية التي تعيدها إلى زمن كانت فيه المباراة تجربة حقيقية تتجاوز الفوز والخسارة.