شوارع الجزائر صامتة بعد التأهل إلى كأس العالم: ما يُفرحنا تحقيق نتائج كبيرة أمام ألمانيا والبرازيل

تأهل منتخب الجزائر إلى نهائيات كأس العالم 2026 لكرة القدم قبل جولة من ختام التصفيات الأفريقية، بعدما فاز على الصومال 3-صفر، في وهران، لتكون المباراة جسراً نحو العبور إلى الحدث العالمي المقرر إقامته في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك.
ورغم أجواء الفرحة في الملعب ومحيطه، غير أن الشوارع الجزائرية ومحافظات البلاد بدت هادئة على غير العادة في حدثٍ كهذا.
العودة إلى كأس العالم ظهرت بلا نشوة، في مشهد يوحي بأن الفرح هذه المرة ليس بحلاوة أمس، وأن الشغف الشعبي بكرة القدم يعيش فترة فتور غريبة على بلد لطالما تنفس اللعبة عشقاً.
وجالت "النهار" عبر مدن وأزقة العاصمة الجزائرية وبعض أحيائها، بخاصة تلك المعروفة بشغفها الكبير بالمنتخب مثل باب الوادي وسوسطارة وساحة البريد المركزي والمدنية وغيرها كثير. لا مظاهر للاحتفال ولا حالة من الفرح سائدة، الحياة عادية ولا حدث رياضياً جاذب، حسب ما يتبيّن.
في باب الوادي ومن أمام ملعب "كيتاني" التقينا رشيد، خمسينيّ الملامح، مظهره ولباسه أوحى إلينا أنه متابع وفيّ لكرة القدم؛ سألناه: "يبدو أنك سعيدٌ بتأهل الجزائر إلى المونديال؟"، ابتسم بفتور وأجاب: "أيّ تأهل هذا وأي مونديال نحتفل به، صحيح أني متابع وفيّ وشغوف بكرة القدم ولكني لست مهتماً بهذا التأهل ببساطة لأنه سهل وأمام منتخب سهل"، وأضاف: "ليس التأهل ما يُفرحنا الآن بل أن تحقق نتائج كبيرة أمام ألمانيا والبرازيل وفرنسا".
ليس بعيداً من رشيد، تقف مجموعة من الفتيان حاملين حقائب رياضية ويستعدون لدخول الملعب، استوقفناهم.: "الأكيد أنكم فرحون باقتطاع المنتخب الجزائري لتأشيرة التواجد في كأس العالم؟"؛ ردّ أحدهم بثقة ممزوجة بخيبة: "ما فعله بيتكوفيتش (مدرب منتخب الجزائر) في أيلول/سبتمبر الماضي بعدم اعتماده على لاعبين جدد أبعد عنا الفرح بالمنتخب"، ليُضيف صديقه: "صحيح أنه المونديال ولكنْ بتأهل 9 منتخبات أفريقية أضحى حضور الجزائر لا غبار عليه، بخاصة أن تأهلنا حققناه أمام منتخبات ضعيفة".
في خريف 2013 وغداة المباراة الفاصلة للمرور إلى مونديال 2014 أمام منتخب بوركينا فاسو، عمّت أجواء فرحة عارمة ربوع البلاد، بخاصة في محافظتي الجزائر العاصمة والبليدة التي احتضن ملعبها "مصطفى تشاكر" المقابلة؛ حينها كان التأهل إلى مونديال البرازيل أكثر من حدثٍ رياضي، مثله مثل الفوز على مصر في المباراة الشهيرة بأم درمان للوصول إلى كأس العالم 2010 بجنوب أفريقيا.
هذا العام تجد الجزائر نفسها في نهائيات كأس العالم لخامس مرة في تاريخها، لكنّ، ليس بحلاوة الأربع مرات الماضية يقول الصحافي الرياضي سلمان شبوب لـ"النهار"، وأضاف: "قد يكون السبب زيادة عدد المنتخبات الأفريقية في المونديال من 5 فقط إلى 9 منتخبات كاملة، ما عزّز من فرص الجزائر في الحصول على مقعد من المقاعد الـ48 في المونديال المقبل"، لافتا إلى أن "تواجد المنتخب الجزائري في أكبر موعد كرويّ عالمي تحصيل حاصل، بخاصة أن الصوماليين اختاروا ملعب وهران بالجزائر للعب المباراة".
وحول غياب أجواء الفرح في المدن والأحياء وغيرها، أشار شبوب، إلى أنّ "الجزائريين مُحبّون للتّحدي، لا يرضون بالسهل"، مُستذكراً ما حدث من استنفارٍ رياضي واجتماعي وحتى سياسي قبيل المباراة التاريخية أمام المنتخب المصري في تشرين الثاني/نوفمبر 2009، وقال: "أتذكر كيف كان الجميع مُوشحاً الراية الجزائرية بالشوارع وأماكن العمل ومحطات الخدمات وغيرها. حتى النسوة والعجائز ركبن موجة الفرح وخرجن قبل وبعد المباراة إلى الشوارع مزغردين وهاتفين".
ويُظهر شبوب نوعا من الكبرياء في حديثه عن منتخب بلاده:."نحن بلد كرة القدم والتواجد في كأس العالم ليس صدفة ولا مزية، بل هو منطق كروي، والرغبة بدءا من هذا المونديال هي الوصول إلى أبعد محطة في المنافسة".
من جانبه، يرى المحلل الرياضي رضوان بارودي، أنّ "غصّة عدم التأهل إلى المونديال الماضي تبقى تأثيراتها كبيرة على قلوب الجزائريين، وهو ما يدفعهم إلى عدم إظهار أجواء كبيرة قبل مباراة اليوم أمام منتخب الصومال رغم أنها سهلة وفي المتناول".
وأوضح بارودي في حديث لـ"النهار"، أن مباراة ربيع 2022 أمام المنتخب الكاميروني بملعب البليدة "تركت أثراً بالغاً في نفوسنا جميعا نظراً للطريقة التي تم بها إقصاء المنتخب، ونظراً أيضا لحجم الأمل والرغبة والثقة التي كانت تعترينا وجميع الجزائريين في التأهل"، مضيفاً أنه"على الرغم من غياب مظاهر الابتهاج والفرح بالتأهل، غير أن التواجد في كأس العالم يبقى تأثيره الرياضي والاجتماعي جوهرياً.
وعوّضت الجزائر إخفاقها بالمشاركة في مونديال قطر بالتأهل إلى المونديال الأميركي 2026، ليبقى الأمل لدى الجزائريين في حضور نوعي في البطولات المُجمَّعة بدءاً بكأس الأمم الأفريقية المقبلة بالمغرب، إذ تحذو رغبة في العودة بالتاج القاري من الرباط، قبل التفكير في كأس العالم وإمكانية بلوغ أدوار متقدمة بجيل من اللاعبين المميزين.