في كرة القدم، للأرقام على القمصان دلالات عميقة تتجاوز كونها مجرّد وسيلة للتعريف بين اللاعبين؛ فمن الرقم (10) الذي ارتبط بالإبداع والعبقرية، إلى الرقم (7) الذي ارتبط بالنجوم التاريخيين، ظلت الأرقام جزءاً من هوية اللاعب وشخصيته داخل المستطيل الأخضر. لكن بين حينٍ وآخر، يخرج بعض القصص النادرة لتكسر هذه القاعدة، حين يختار بعض اللاعبين ارتداء أرقام مكوّنة من ثلاثة أرقام، تتجاوز الحد المألوف في عالم اللعبة.

قد يكون الدافع احتفاءً بإنجاز شخصي، أو إحياءً لذكرى، أو مشاركة في حملة إنسانية، أو حتى قراراً إدارياً غريباً في فرق الشباب، وهذه هي القصص التي تجعل من الأرقام الثلاثية أكثر من مجرّد أرقام، بل رسائل خالدة على ظهر القميص.

بلانكو... وداع الأسطورة برقم "100"
في الخامس من آذار/ مارس عام 2016، كانت جماهير نادي أميركا المكسيكي على موعد مع لحظة استثنائية في تاريخ النادي؛ فقد خاض الأسطورة كواوتيموك بلانكو مباراة الوداع التي اختتم بها مسيرةً امتدت لأكثر من عقدين، ولم يكن بلانكو بحاجة إلى رقم ليعرّف به نفسه، فهو أحد أبرز من مرّوا في تاريخ الكرة المكسيكية، لكنّه اختار أن يرتدي الرقم 100 في تلك الليلة.

كان الرقم رمزاً للاكتمال، ولرحلة مليئة بالنجاحات والتحديات، ارتداه تقديراً لمشواره، واحتفاءً بعطاء لم يتوقف إلا بعد أن قال الميدان كلمته الأخيرة.

هيرزوج... رقم المئوية تكريماً للوطن
وفي أوروبا، شهدت الملاعب النمسوية لحظة مشابهة عندما ارتدى أندرياس هيرزوج الرقم 100 في مباراة ودية ضد النروج. كان ذلك احتفالاً بمشاركته الرقم مئة بقميص منتخب بلاده، ليصبح أول لاعب في تاريخ النمسا يصل إلى هذا الإنجاز.

بالنسبة إلى هيرزوج، لم يكن الرقم اختياراً شخصياً فحسب، بل وسام وطني يعبّر عن إخلاصه لوطنه مدى سنوات طوال، وقد تحوّل ذلك القميص إلى قطعة نادرة تُعرض اليوم في المتحف الوطني لكرة القدم في فيينا.

أندرياس هيرزوج. (وكالات)

نيمار... الأرقام تتحدث بلغته الخاصة
الحديث عن الأرقام لا يكتمل من دون ذكر النجم البرازيلي نيمار دا سيلفا، الذي اعتاد تحويل كل مناسبة إلى لحظة رمزية. ففي تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2012، ارتدى قميصاً يحمل الرقم 200، احتفالاً بمباراته الرقم 200 مع ناديه السابق سانتوس. وفي تلك المباراة، كعادته، لم يكتفِ بالحضور بل أهدى الجماهير هدفاً رائعاً ولوحة فنية كروية نالت إعجاب المتابعين.

وبعد أكثر من عقد، عاد نيمار إلى الأسلوب نفسه عندما ارتدى الرقم 100 في نيسان/ أبريل 2025 خلال مباراته الرقم 100 على ملعب "فيلا بالميرو" التاريخي، كان ذلك القميص بمثابة رسالة عرفان من اللاعب للنادي والجماهير التي احتضنته منذ بداياته.

نيمار. (وكالات)

فيغا... الرقم 188 من أجل الحياة
في مشهد مؤثر خارج السياق المعتاد لكرة القدم، لفت اللاعب رافايل فيغا الأنظار في الدوري البرازيلي عندما ارتدى الرقم 188 في مباراة بالميراس أمام فورتاليزا ضمن المرحلة الـ24 من البطولة.

لم يكن الرقم اختياراً شخصياً أو فنياً، بل جزءاً من حملة وطنية تحت شعار "أيلول الأصفر" للتوعية بالصحة النفسية والوقاية من الانتحار. الرقم يرمز إلى خط المساعدة النفسية في البرازيل (188)، وقد نُقش على القميص شعار "اتصل بالرقم 188" كرسالة دعمٍ وتشجيعٍ للذين يعانون في صمت.

قاد فيغا فريقه في تلك المباراة وسجّل الهدف الأول، ليمنح الرقم بعداً إنسانياً نادراً في الملاعب، ويؤكد أنّ كرة القدم يمكن أن تكون منبراً لنشر الأمل والحياة.

أورتيز... الرقم 125 احتفاء بالذكرى
وجد الأرجنتيني فرناندو أورتيز هو الآخر نفسه في تجربة رقمية فريدة عندما ارتدى القميص الرقم 125 أثناء مشاركته مع أميركا المكسيكي في عام 2009. ولم يكن الأمر مصادفة، بل جاء ضمن حملة احتفالية بالذكرى السنوية الـ125 لتأسيس شركة "باناميكس" الراعية للنادي في ذلك الوقت.

أبرو ولمسة "المتمرّد"
حين يتحدث الناس عن الغرابة في كرة القدم، نادراً ما تغيب سيرة الأوروغوياني سيباستيان "لوكو" أبرو، صاحب الشخصية الجريئة التي لا تعرف القواعد.

اشتهر أبرو طوال مسيرته بارتداء الرقم 13، الذي يعتبره كثيرون نحساً، لكنه جعله رمزاً للتحدي والشخصية المستقلة. وعندما انتقل إلى نادي بوسطن ريفر عام 2019، اكتشف أنّ الرقم 13 محجوز بالفعل، ولم يستسلم، وقرّر ارتداء الرقم 113 ليحافظ على رمزيته، ويضيف إليه لمسة من شخصيته المتمرّدة.

سيباستيان أبرو. (وكالات)

باوتيستا... الجرأة على القواعد
اللاعب المكسيكي أدولفو "بوفو" باوتيستا اشتهر بشخصيته الجريئة داخل الملعب وخارجه، حين قرّر ارتداء الرقم 100. لم يكن يهدف إلى لفت الأنظار فحسب، بل إلى إرسال رسالة مفادها أنّ الإبداع لا حدود له.

بوفو. (وكالات)

كان الرقم بمثابة تمرّد على النمط التقليدي في كرة القدم المكسيكية، وإعلاناً عن استقلال شخصيته الفنية، أراد "بوفو" أن يقول إنّ اللاعب المبدع لا يُقاس برقم على ظهره، بل بما يقدمه على أرض الملعب، فحوّل الرقم 100 إلى توقيع شخصي على مسيرته.