المدرجات تحاكي الضمير... ملاعب إسبانيا ترفع صوت فلسطين

لم يكن ملعب سان ماميس في بلباو مجرّد ساحة لمباراة بين أتلتيك بلباو وريال مايوركا، بل تحوّل السبت إلى منصة إنسانية حقيقية، حيث تعالت الأصوات ورفعت الأعلام في رسالة واضحة: "ثمة شعب يُقتل، أطفال يجوعون، وعدالة ضائعة".
قبل انطلاق المباراة ضمن المرحلة السادسة من الدوري الإسباني "لا ليغا"، اصطفّت مجموعة من اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في إقليم الباسك، برفقة القائدة السابقة للمنتخب الفلسطيني وسفيرة النادي هني ثلجية، في وسط الملعب، وسط تصفيق وهتاف الجماهير، على وقع شعارات منها "حرّروا فلسطين!". وعلى شاشات الملعب، ظهر شعار قوي "أتلتيك من أجل فلسطين. أوقفوا الإبادة الجماعية!"، كتأكيد على رفض النادي الباسكي للوحشية الإسرائيلية في غزة.
هذا الحدث لم يكن مجرّد لفتة رمزية، بل جزءاً من مشروع مشترك بين مؤسسة أتلتيك بلباو ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، ويهدف إلى تقديم دروس في التربية البدنية لنحو ثمانية آلاف طفل فلسطيني لاجئ، في 16 مدرسة تديرها الأونروا.
المشروع يربط بين الرياضة والتعليم والدفاع عن الحقوق الإنسانية، ليصبح الملعب مساحة للتعبير عن التضامن بعيداً عن السياسة الرسمية.
منصة للضمير!
لم تقتصر مظاهر التضامن على إدارة النادي فقط، بل امتدت إلى الجماهير. في مباريات سابقة، رفع مشجعو أتلتيك بلباو الأعلام الفلسطينية وردّدوا هتافات مثل "حرّروا فلسطين!"، بينما توقفت مباراة أوساسونا وخيتافي لبضع دقائق بعدما ألقى المشجعون كرات تنس على أرض الملعب، احتجاجاً على الحرب في غزة، ورفعوا لافتة كتب عليها "دمّروا إسرائيل".
في سان سيباستيان، أعلن مشجعو ريال سوسييداد أنهم لن يدخلوا مدرج المباراة حتى الدقيقة الخامسة تضامناً مع الفلسطينيين، ودعوا الجميع لحمل الأعلام الفلسطينية. كل هذه المبادرات تشير إلى أنّ القضية الفلسطينية لم تعد مجرّد خبر بعيد، بل قضية حية في وعي الجماهير الأوروبية، تُعيد تشكيل خطابها المدني والسياسي تجاه الأحداث في غزة.
اللاعبون أيضاً لم يظلوا صامتين. قالت هني ثلجية: "نحن هنا لرفع صوت الأطفال الذين لا يملكون منبراً، ولتذكير العالم بأنّ فلسطين لا تزال تحت الاحتلال".
أما رئيس نادي أتلتيك بلباو، جون أوريارتي، فقال: "الرياضة يجب أن تكون وسيلة للتعبير عن القيم الإنسانية، والتضامن مع الشعب الفلسطيني واجب أخلاقي لا يمكن تجاهله".
كذلك، أبدى رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، جبريل الرجوب، فخره بالمبادرة، واصفاً ما حدث بأنه "شهادة على قوة الأخلاق في كرة القدم، وعلى أنّ الملاعب يمكن أن تكون منصة للحق والعدالة".
وحشية بلا حدود
ما يحدث في غزة ليس حرباً عادية، بل إبادة ممنهجة. الأطفال والنساء يموتون تحت القصف، المستشفيات تُدمّر، الغذاء والماء ينقطع، والمستوطنات تتوسع بالقوة في انتهاك صارخ للقانون الدولي. كل هتاف، كل لافتة، وكل دقيقة صمت مكسور، هي محاولة لإيصال الحقيقة إلى الرأي العام الغربي: أنّ الشعب الفلسطيني يعاني يومياً من ظلم وحشي.
من بلباو إلى غيرنيكا، ومن الملاعب الإسبانية إلى أعين الجماهير الأوروبية، تتبلور صورة جديدة: الرياضة ليست مجرّد ترفيه، بل منصة للوعي والضمير الإنساني. من رفع لافتة في المدرجات إلى مباراة ودية ستجمع منتخب الباسك بالمنتخب الفلسطيني، تُظهر الملاعب أنّ التضامن يمكن أن يكون فعلياً وملموساً، وأنّ الكرة ليست مجرّد لعبة، بل أداة لتذكير العالم بما يحدث في غزة. فكل تصفيق وكل صرخة تهتف باسم فلسطين هي رسالة واضحة: "لن ننسى، لن نصمت، وستبقى فلسطين في القلوب قبل أن تكون على الشاشات"؛ وهذا ما تجسده جماهير الرياضة عموماً وكرة القدم خصوصاً في العديد من الملاعب والفعاليات.