عودة النجوم إلى البوسفور... تركيا مركزاً للمال والنجومية؟
"غلطة سراي ينتصر على ليفربول بهدف النيجيري فيكتور أوسيمين على ملعب علي سامي ين في إسطنبول ضمن دوري أبطال أوروبا"، عنوان اجتاح الصفحات الرياضية في القارة العجوز، ولا سيما منها الإنكليزية التي سارعت الى تحليل ما يجري مع بطل الـ"بريميرليغ" وتكبّده الخسارة الثانية توالياً مع مدربه الهولندي آرني سلوت.
بالنسبة إلى الأتراك، ما تحقق أشبه بالحلم. فالانتصار على الـ"ريدز" أعاد تسليط الأضواء على الدوري التركي، بعد سنوات من تخبّط الأندية التركية وغرقها في الديون بحيث كانت تصارع من أجل البقاء.
ما حدث في الصيف الفائت مثّل نقطة تحوّل؛ الإنفاق الكبير لم يكن مغامرة عشوائية بقدر ما كان نتيجة لخطط مالية معقدة، اعتمدت على بيع الأصول العقارية الثمينة، مثل أراضي غلطة سراي في فلوريا، وعلى إعادة هيكلة الديون مع البنوك المحلية. هذه الخطوة، التي وصفها رئيس الاتحاد التركي الأسبق يلدرم دميرورين بأنها "معلم تاريخي" في مسار كرة القدم التركية، فتحت الباب أمام الانتقال من أزمة مالية خانقة إلى طموح أوروبي يتغذى على النجوم والعناوين العريضة.

عودة النجوم
لم يعد من المستغرب أن ترى أسماء مثل أوسيمين أو ليروي ساني يرتدون ألوان الأندية التركية. هذه التعاقدات لم تعد مجرّد أحلام على صفحات الصحف، بل باتت حقيقة واقعة ساهمت في رفع مستوى الدوري المحلي وإعادته إلى النقاش الأوروبي. ورغم أنّ عقود النجوم تُدفع غالباً باليورو، ما يزيد العبء المالي، إلا أنّ الأندية وجدت نوعاً من التوازن عبر دفع عقود اللاعبين المحليين بالليرة التركية، وهو ما جعل الرواتب تتقلص فعلياً مع التضخم، مانحاً إدارات الأندية متنفساً للاستثمار بجرأة في سوق الانتقالات.
وأنفقت الأندية التركية في فترة الانتقالات السابقة ما مجموعه 350 مليون يورو، وهو إنفاق غير مسبوق، وكانت الصدارة لثلاثي إسطنبول الكبير غلطة سراي وفنربخشة وبشكتاش، الأمر الذي وضع "السوبرليغ" في مراتب أعلى عالمياً بحسب أرقام الانتقالات.
أما الصفقة التي رمَت بكل الأنظار صوب إسطنبول فهي توقيع فيكتور أوسيمين من نابولي في مقابل 75 مليون يورو.
استعادة الكرامة الكروية
الفوز على ليفربول حمل رمزية مضاعفة. بالنسبة إلى الجماهير، هي لحظة استعادة للكرامة الكروية بعد سنوات من الغياب عن المشهد القاري. وبالنسبة إلى اللاعبين، هي رسالة بأنهم ليسوا مجرّد صفقات تسويقية بل رهان رياضي ناجح.
مدرب ليفربول آرني سلوت لم يخف استياءه بعد اللقاء، مشيراً إلى أنّ "غلطة سراي يعرف كيف يخلق اللحظات ويحوّل تفاصيل صغيرة إلى مواقف حاسمة"، في اعتراف ضمني بأنّ الفريق التركي لم يفز مصادفة. وحتى التعليقات القاسية من أساطير مثل جيمي كاراغر الذي وصف أداء ليفربول بأنه "بعيد عن هوية الفريق الكبير"، لم تستطع أن تغطي على حقيقة أنّ غلطة سراي كان الطرف الأكثر ذكاءً وفاعلية.
ما يميز التجربة التركية اليوم هو أنها تقف بين نموذجين؛ فمن جهة هناك السعودية، التي تعتمد على ثروات سيادية هائلة لجذب النجوم بسرعة وبناء علامة تجارية للدوري. ومن جهة أخرى، هناك التجربة الصينية التي انتهت إلى انهيار بعد طفرة غير محسوبة. تركيا تسير في منطقة وسطى: لا دعم حكومياً مباشراً بالحجم السعودي، ولا اندفاع مالياً غير مضبوط كما حدث في الصين، بل مزيج من الجرأة الاستثمارية والاعتماد على موارد داخلية مثل العقارات وإعادة جدولة الديون. هذا التوازن قد يمنحها فرصة للاستدامة، شرط أن يقترن بالنجاح القاري المتواصل.
انتصار غلطة سراي على ليفربول لم يكن مجرّد ثلاث نقاط وحسب، بل إعلان عودة. الأتراك يقولون لأنفسهم ولأوروبا إنّ زمن التراجع قد انتهى، وإنّ الدوري التركي قادر على جذب النجوم والتنافس بندية مع كبار القارة.
ويكمن التحدي الآن في تحويل هذه الشرارة إلى مسار طويل الأمد، بحيث لا يكون الفوز على ليفربول مجرّد ذكرى عابرة، بل بداية لعصر جديد يكتب فيه الدوري التركي فصولاً مختلفة تماماً عن تلك التي طُبعت في العقد الماضي.
نبض