كان المدرب الإيطالي روبرتو دي زيربي أحد الأسماء التي خطفت الأنظار سريعاً منذ ظهوره على الساحة الأوروبية مع ساسولو، تلك المحطة التي قدّم خلالها هويته التدريبية الخاصة. مدرب يعرف كيف يحقق النجاح حتى بأقل الإمكانيات، بخطط تدريجية يسير عليها حتى يصل إلى مرحلة النضج والكمال، واضعاً فلسفة واضحة تقوم على الاستحواذ، الشراسة الهجومية، وعدم الاعتراف بالمنافس.

ورغم حداثة اسمه في عالم التدريب، فإنّ شخصيته الصارمة والقوية مكنته من فرض أسلوبه على كل فريق تولاه. البداية كانت مع ساسولو الذي مثّل انطلاقته الحقيقية، ليصبح بعدها محط أنظار أندية أوروبية عدة، ومنه انتقل إلى برايتون، حيث أثبت جرأته في أقوى دوري في العالم، وتمكن من قيادة الفريق إلى المشاركة الأوروبية، مقدّماً كرة هجومية ممتعة حظيت بإشادة واسعة، حتى من المخضرم بيب غوارديولا.

تجربته الناجحة في إنكلترا دفعت به إلى محطة أكثر صعوبة وتحدياً، عندما قرّر خوض مغامرة جديدة مع أولمبيك مرسيليا، النادي العريق الذي فقد هويته لسنوات طويلة. ورغم الضغوط الكبيرة الناتجة عن القاعدة الجماهيرية الضخمة للنادي، لم يتردد دي زيربي في قبول التحدي، وقد نجح بالفعل في إعادة الروح إلى الفريق. أنهى موسمه الأول وصيفاً للدوري الفرنسي، وقاد مرسيليا إلى دوري أبطال أوروبا، مع بصمة واضحة على أداء اللاعبين وتنظيم الفريق من حيث الشراسة الهجومية والانضباط الدفاعي والسرعة في نقل الكرة.

ومع انطلاقة الموسم الجديد، واصل دي زيربي التطوير، مصححاً أخطاء الموسم الماضي، ليقود فريقه إلى صدارة الترتيب في منافسة شرسة مع كبار الدوري. الفوز الأخير على باريس سان جيرمان جاء ليتوّج جهوده ويكشف جرأته، بعدما صرّح علناً بأنه جاء إلى فرنسا لإنهاء الهيمنة الباريسية على البطولات المحلية.

روبرتو دي زيربي. (أ ف ب)

ورغم ارتباط اسمه بأندية كبرى عدة مثل مانشستر يونايتد، فإنّ المدرب الإيطالي رفض العروض مفضّلاً استكمال مشروعه مع مرسيليا، في إشارة إلى شخصية مدرب يعرف ما يريد، ويؤمن بالاستمرارية كطريق للنجاح.

اليوم، لم يعد دي زيربي مجرّد اسم صاعد، بل مشروع مدرب أوروبي من الطراز الرفيع. فهو لا يبحث فقط عن الفوز بالمباريات، بل يضع كل فريق يقوده في مسار تنافسي جديد، مستنداً إلى الفكر، العمل، والرؤية الواضحة، سواء مع ساسولو أو برايتون أو الآن مع مرسيليا، يثبت الإيطالي أنّ النجاح ليس صدفة، بل صناعة متكاملة.