بوسكيتس... اكتشاف غوارديولا الذي "أربك عالم كرة القدم"

لم يكن سيرجيو بوسكيتس لاعب وسط تقليدياً، بل نموذجاً فريداً أعاد تعريف هذا المركز وأربك مفاهيم كرة القدم الحديثة، فمنذ أن اكتشفه بيب غوارديولا في فريق برشلونة الرديف، تحول الشاب النحيل القادم من "باديا" إلى أحد أهم أعمدة الكرة العالمية، جامعاً بين الذكاء التكتيكي والهدوء في التحكم بإيقاع اللعب، ومثبتاً أن القوة الحقيقية تكمن في التفكير قبل الاندفاع.
حصاد الألقاب
مع برشلونة، ترك بوسكيتس إرثاً استثنائياً بعدما رفع 32 لقباً، 9 بطولات دوري إسباني، 3 دوري أبطال أوروبا، 7 كأس الملك، 3 كأس العالم للأندية، 3 سوبر أوروبي، و7 سوبر إسباني، وعلى الصعيد الدولي، كان جزءاً من الجيل الذهبي لإسبانيا الذي حصد كأس العالم 2010 وكأس أمم أوروبا 2012.
أما في تجربته الأخيرة مع إنتر ميامي، فقد واصل نجاحاته مضيفاً لقبين جديدين هما كأس الدوريات ودرع المشجعين، وما زالت أمامه فرصة للفوز ببطولة الدوري الأميركي، التي قد ترفع رصيده إلى 37 بطولة كواحد من أكثر لاعبي الوسط تتويجاً في تاريخ اللعبة.
إشادة الأساطير
خلال بداياته في كأس العالم 2010، تعرض بوسكيتس لانتقادات لاذعة بعد خسارة إسبانيا أمام سويسرا، غير أن المدرب فيسنتي ديل بوسكي دافع عنه قائلاً: "إذا عدت لأكون لاعباً، أود أن أكون مثل بوسكيتس". ولم يكن هذا مجرد ثناء، بل اعترافاً بفرادته في قراءة المباريات وصنع الفارق من مركز بدا بعيداً عن الأضواء.
كما أشاد به أسطورة الكرة الأرجنتينية خوان رومان ريكيلمي قائلاً: "بوسكيتس أربك كرة القدم، فالرقم 5 أصبح رقم 10"، وهي عبارة تلخص كيف دمج بوسكيتس بين دور الارتكاز الدفاعي وصانع اللعب، ليصبح المحرك الخفي للبارسا ولمنتخب "لاروخا".
اكتشاف غوارديولا
كان غوارديولا هو صاحب الرؤية التي أطلقت مسيرة بوسكيتس، فقد احتاج المدرب إلى لاعب وسط يجمع بين الدفاع والهجوم، لا يعتمد على القوة البدنية بقدر ما يتقن التمركز والقدرة على الهروب من الضغط، وقال غوارديولا: "لا أحتاج إلى لاعب قوي، بل إلى من يعرف كيف يخرج من المواقف الصعبة"، ووجد في بوسكيتس ضالته.
مع تصعيده إلى الفريق الأول موسم 2008-09، أثبت بوسكيتس شخصيته بسرعة رغم المنافسة القوية مع يايا توريه، ليصبح الركيزة التي بُنيت عليها فلسفة "التيكي-تاكا"، ثم لاحقاً قائد برشلونة بعد رحيل ليونيل ميسي.
إرث ممتد
خاض بوسكيتس 143 مباراة مع المنتخب الإسباني، ليحتل المركز الثالث في قائمة الأكثر تمثيلاً بعد راموس وكاسياس، وعلى مدار تلك السنوات، كان "الفارو" في وسط الملعب، حافظ على التوازن وأدار الإيقاع ببرودة أعصاب لا مثيل لها.
واليوم، ومع اقتراب مسيرته من نهايتها في ميامي بجوار أصدقائه ميسي، جوردي ألبا ولويس سواريز، يستعد بوسكيتس لمرحلة جديدة، إذ يخطط لتكوين نفسه كمدرب، يحلم بالعودة إلى برشلونة ليواصل التأثير ولكن هذه المرة من على مقاعد التدريب.
بوسكيتس كان أكثر من مجرد لاعب وسط؛ كان "اكتشاف غوارديولا" الذي أعاد تعريف كرة القدم، وأثبت أن الذكاء والتمركز يمكن أن يصنعا أسطورة تخلّد في ذاكرة اللعبة.