اللاعب "الجوكر" السلاح السري للمدربين

في كرة القدم الحديثة، لم يعد النجاح محصوراً في وجود هداف بارع أو صانع ألعاب استثنائي، بل أصبحت المرونة التكتيكية عاملاً أساسياً لا يقل أهمية عن أي عنصر آخر في معادلة التفوّق.
من هنا تبرز أهمية اللاعب "الجوكر"، وهو ذلك الذي يتمتع بمهارة اللعب في مراكز عدة، ليصبح ورقة رابحة والسلاح السري بين يدي المدرب الذي يهدف إلى تحقيق نتائج مميزة وسط ضغط المباريات المستمر والمنافسة الشديدة.
في الآونة الأخيرة، بدأت الأندية الكبرى في البحث عن أكثر من مجرّد أداء فردي مميز، حيث أصبح اللاعب المتعدد المراكز الخيار الأفضل، لقدرته على تقديم أدوار مختلفة أثناء المباراة بدلاً من اقتصار دوره على مركز واحد فقط، وهذا النوّع من اللاعبين بات المفتاح الذي يتيح للفريق التكيف مع لحظات المباراة الحرجة وقلب مسارها لصالحه متى تطلب الأمر.
جوشوا كيميش يُعتبر نموذجاً حياً لهذا المفهوم في فريق بايرن ميونيخ، فقد بدأ كظهير أيمن، ثم تحوّل إلى لاعب ارتكاز دفاعي بمهارات فريدة، وظهر في بعض الأوقات كقلب دفاع، وهذه التنقلات بين المراكز أكسبته مكانة أساسية ضمن مشروع النادي البافاري.
وعلى الجانب الآخر، يمثل فيل فودين لاعب مانشستر سيتي تحت إدارة بيب غوارديولا أيضاً رمزاً للمرونة التكتيكية، فقد أبدع كجناح أيمن وأيسر، وأتقن دور صانع الألعاب، كما لعب أحياناً كمهاجم وهمي، وهذا التنوّع أثّر إيجابياً على خيارات غوارديولا الهجومية.
أما أشرف حكيمي المغربي الذي يلعب في باريس سان جيرمان، فيُعد من أبرز اللاعبين "الجوكر" في الوقت الحالي على المستوى الدولي، فرغم أنّ مركزه الأساسي هو ظهير أيمن دفاعي، لكنه يتمتع بقدرة فائقة على التقدم إلى دور الجناح الهجومي، بل ويقوم أحياناً بالدخول إلى العمق لتأمين التفوّق العددي في منتصف الملعب.
ولا تقتصر الأمثلة على هؤلاء اللاعبين فقط؛ فجيمس ميلنر مع ليفربول تمكن من تغطية تقريباً كل مركز داخل الملعب باستثناء حراسة المرمى، ودافيد ألابا تنقل بين مركز الظهير الأيسر وقلب الدفاع وأحياناً لاعب ارتكاز.
الأهمية التي يقدمها اللاعب "الجوكر" تتجاوز التكتيك، لتشمل الجوانب الاقتصادية أيضاً، فمع ارتفاع أسعار اللاعبين بشكل كبير في سوق الانتقالات، فإنّ امتلاك لاعب متعدد المهام يمكن أن يقلل الحاجة للتعاقد مع عدد كبير من اللاعبين في مراكز مختلفة.
ومع ذلك، يبقى التأثير الحقيقي لهذا النوع من اللاعبين مرتبطاً بعملية تشكيل ديناميكية الفريق، إذ يمنح المدرب خيارات واسعة تكتيكياً من دون الحاجة إلى إجراء تبديلات عديدة، حيث يمكن أن يتحوّل اللاعب خلال دقائق معدودة من مدافع إلى مهاجم أو من جناح إلى صانع ألعاب، ما يخلق ارتباكاً حقيقياً للخصوم.