كيف غيّرت الإحصائيات وجه كرة القدم؟

في عصر لم تعد فيه الموهبة وحدها كافية لتحقيق النجاح، أصبحت كرة القدم تدخل مرحلة جديدة تقوم على الإحصائيات والتحليل الدقيق، إذ تغيّرت ملامح اللعبة من فن يعتمد على الخبرة إلى علم مبني على البيانات.

اليوم، باتت القرارات المتعلقة بالملعب أو خارجه تُتخذ بناءً على مؤشرات رقمية دقيقة تُحدد اللاعبين المستحقين المشاركة، الأشخاص المرشحين للمغادرة، وأولئك الذين يحملون إمكانات النجومية في المستقبل.

انتقلت اللعبة من أجواء هتافات المدرجات إلى لغة الأرقام ومراكز التحليل. ففي الماضي، كان المدرب يملك فقط رؤيته الشخصية لتقييم أداء اللاعبين، أما الآن، ومع تقدم التكنولوجيا، فظهرت فرق مُختصة في التحليل تستخدم أدوات وتقنيات متطوّرة لرصد كل تفصيل صغير مثل التمريرات، التسديدات، وحتى التحرّكات بلا كرة.

ساهمت هذه التحليلات في تسهيل المهمات على المدربين عبر تقديم توصيات تساهم في اختيار التشكيلة المثالية لكل مباراة، بالإضافة إلى تحليل نقاط القوة والضعف لدى كل لاعب بدقة لافتة.

لم تتوقف أنظمة التحليل عند تسجيل الأداء فحسب، بل أصبحت تقدم أيضاً قياسات للأهداف المتوقعة بناءً على حساب احتمال التسجيل وفقاً لعوامل متعددة مثل موقع التسديدة، سرعتها، وزاويتها في اتجاه المرمى، وأصبحت هذه المؤشرات أداة محورية لتقييم الأداء الهجومي.

من أبرز الأمثلة لهذا النهج كان إنجاز ليستر سيتي بحصوله على لقب الدوري الإنكليزي الممتاز في موسم 2016-2015، وهذا الإنجاز لم يكن مجرّد ضربة حظ؛ بل ثمرة تخطيط مدروس واعتماد على تحليل البيانات لاختيار لاعبين بأداء مميز وأكلاف مخفوضة.

كان بين أهم الصفقات رياض محرز ونغولو كانتي، اللذان أظهرت بياناتهما معدلات استثنائية في استرجاع الكرة وسرعة الحركة داخل الملعب، وهو ما ساهم بشكل رئيسي في نجاح الفريق.

بعد هذا النجاح اللافت، بدأت فرق كبيرة بإنشاء أقسام متخصصة لتحليل البيانات الرياضية، ويظهر المثال في حقبة يورغن كلوب مع ليفربول، إذ أسفر هذا النهج عن التعاقد مع لاعبين مثل محمد صلاح الذي أصبح اليوم من أفضل لاعبي العالم وساهم بفاعلية في تحقيق البطولات مع النادي، إلى جانب ساديو ماني، بناءً على دراسة إحصائيات أدائهما السابق.

النجم المصري محمد صلاح. (أ ف ب)

أما بالنسبة إلى بيب غوارديولا مع مانشستر سيتي، فقد عزز هذا التوجه باستخدام البيانات لصقل أساليب اللعب، وبرع بشكل خاص في تنظيم الضغط العالي وتحرّكات اللاعبين بين الخطوط لتحقيق الأداء المتكامل للفريق.

تحوّلت كرة القدم في عصرنا إلى معادلة تجمع بين الموهبة والعلم المتطوّر، وفي عصر الثورة الرقمية، من يدرك جيداً أسرار الأرقام يمكنه أن يُخطط لمستقبله بنجاح.