معركة السرعة فوق الأسفلت: ملوك الرالي في لبنان
تعلو أصوات المحرّكات فوق "الإسفلت" اللبناني، هدير يخترق صمت الشوارع معلناً عن تنافس ضارٍ بين أهم سائقي سباقات السرعة في رالي لبنان الدولي بنسخته الـ47، وهو الجولة الخامسة ما قبل الأخيرة من بطولة الشرق الأوسط للراليات للعام الجاري.
حدث رياضي بارز، محطة سنوية تكتسي طابعاً أبعد من رياضة المحرّكات، وهو مستمر رغم كل العواصف السياسية والاقتصادية والأمنية.
تنطلق السيارات من أمام النادي اللبناني للسيارات والسياحة في جونية، أسماء لامعة من لبنان والوطن العربي تتنافس في مراحل السرعة مدى ثلاثة أيام، سعياً الى الإعلان عن "ملك الطرق الإسفلتية"، إذ إنّ السباق اللبناني هو الوحيد في بطولة الشرق الأوسط الذي يقام على طرق معبّدة.
المراحل الضيقة والمتعرّجة في الجبال الشمالية تحكي قصصاً أخرى: طرق شهدت نزوحاً وحروباً باتت اليوم مسرحاً للتحدي والسرعة. المتسابقون يواجهون منعطفات حادة وأسفلتاً غير متساوٍ بفعل إهمال السنين، لكن ذلك لم يمنع نجوماً مثل روجيه فغالي الذي يعد أيقونة الرالي اللبناني وصاحب الرقم القياسي في الفوز به (16 مرّة)، من التحدي مجدداً، وفي مقدم منافسيه الأسطورة القطري ناصر صالح العطية ومواطنه عبد العزيز الكواري والعمانيين عبد الله الزبير وزكريا العمري، الذين جاؤوا ليكتبوا فصلاً جديداً في صراع الشرق الأوسط على اللقب.

رغم كل أزماته، يثبت لبنان مجدداً أنه "واحة دولية" في بعض المسابقات الرياضية، ويتخطى مفهوم الاستضافة الروتينية، ويقول مدير رالي لبنان المحامي زياد جاموس: "لا يخفى على أحد ظروف لبنان في السنوات الأخيرة إضافة إلى حالة عدم الاستقرار في البلاد"، وأردف في حديث الى "النهار" عن ماهية الرالي حالياً: "إلغاء السباق لظروف وأسباب أمنية مثلاً، ينعكس سلباً على نحو كبير على سمعة البلد كوجهة سياحية لدى الدول المنتسبة للاتحاد الدولي للسيارات (فيا)، ما يؤدي إلى تراجعه تصنيفياً، في حال عدم تمكن أي سلطة رياضية وطنية من تنظيم أي سباق ممكن يتم سحب الرخصة لعامين متتاليين".
وكشف أنّ النادي اللبناني يصر على تنظيم السباق لإبقاء لبنان على الروزنامة الدولية وتأكيد مكانته في المنظمة الدولية، "نحن نصر على تنظيم هذا الحدث الدولي، وكذلك لهذا النشاط أهمية إقتصادية من خلال العائدات للدورة المتكاملة من فنادق ومطاعم وسياح وتجارة".
وأبرز أهمية التغطية الإعلامية للسباق، لافتاً إلى أنّ ثمة اهتماماً كبيراً من الإعلام الرقمي والتلفزيوني لنقل أحداث السباق "الذي يبرز وجه لبنان وطبيعته الجبلية والساحلية على السواء لدى الأقطار العربية والعالمية"، رغم الإمكانات المتآكلة بفعل الأزمات التي شهدتها البلاد.

وتبلغ المسافة الإجمالية للسباق 624,41 كيلومتراً بينها 192,44 كلم مراحل خاصة وعددها 11، في أقضية جبيل والبترون والمتن الشمالي وصولاً إلى مقر النادي في الكسليك.
تأسس النادي اللبناني للسيارات والسياحة "ATCL" عام 1919، وبدأ بتنظيم أول سباق في منطقة الشرق الأوسط عام 1951 باسم "دورة لبنان" وفاز به لويس "لولو" بسول على متن "رينو فريغات"، ومنذ عام 1968 أقيم السباق تحت اسم "رالي الجبل"، وشهدت نسخته الأولى مشاركة 57 فريقاً بينها 14 فريقاً أجنبياً، وتوّج بلقبه الراحل جان باسيلي مؤسس مجلة "سبور أوتو" وأنطوان سليم وفايز صهيون على متن "رينو 10". وفي عام 1975 كان النادي يستعد لتنظيم الرالي الدولي بعدما تم تسجيله في سجلات الاتحاد الدولي للسيارات الذي اعترف به وأقره، إلّا أنّ اندلاع الحرب اللبنانية أرجأه إلى 1979. ومنذ عام 1990 لم يغب السباق اللبناني عن الروزنامة سوى مرّتين عام 2005 بسبب اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وعام 2020 بسبب جائحة كورونا. علماً أنّ تغيير الاسم من رالي الجبل إلى رالي لبنان تم عام 1993.
ومن أبرز السائقين المتوّجين بلقب الرالي الإماراتي محمد بن سليم والسعودي عبد الله باخشب والقطري سعيد الهاجري والإماراتيون عبدالله وخالد القاسمي وسهيل آل مكتوم، إلى جانب السائقين اللبنانيين وفي مقدمهم روجيه فغالي، جان بيار نصرالله، سمير غانم، نبيل كرم (بيلي) وموريس صحناوي المعروف بباغيرا، وعبدو فغالي وميشال صالح وغيرهم.
نبض