نجومية الملعب لا تضمن نجاح الدكة

عندما يقرّر نجم كرة القدم اعتزال اللعب والانتقال إلى عالم التدريب، فإنه يبدأ رحلة جديدة تختلف تماماً عن تلك التي عاشها في الملعب؛ فالنجومية كلاعب لا تضمن النجاح في ميدان التدريب، بل قد تتحوّل أحياناً إلى عبء ثقيل في عالم يعتمد على التفكير التكتيكي والإدارة الفعّالة أكثر من أيّ شيء آخر.
سجّل تاريخ كرة القدم الحديث نماذج مشرّفة حققت نجاحات لافتة، إلى جانب تجارب لم تبلغ التوقعات مع شهرة أصحابها كلاعبين.
يُعتبر زين الدين زيدان أحد أبرز الأمثلة المعاصرة للمدربين الذين تمكّنوا من تحويل تجربتهم كلاعبين إلى نجاح استثنائي. فعندما تولّى تدريب ريال مدريد، استطاع تحقيق إنجازات خيالية، منها الفوز بثلاثة ألقاب متتالية في دوري أبطال أوروبا بين عامي 2016 و2018، بالإضافة إلى ألقاب محليّة مثل الدوري الإسباني وكأس السوبر.
وسرّ نجاح زيدان لم يكن فقط في خبرته باللعبة كلاعب، بل في قدرته على إدارة فريق يعجّ بالنجوم والتعامل مع الضغوطات.
بيب غوارديولا أيضاً برز كأيقونة تدريبية بعدما كان لاعباً أساسياً في برشلونة. فخلال فترة تدريبه للفريق الكاتالوني، نجح في تحقيق ثلاثية تاريخيّة عام 2009، شملت الدوري الإسباني، كأس الملك ودوري أبطال أوروبا.
بعد ذلك، واصل تعزيز مكانته العالمية عبر تحقيق إنجازات مشابهة مع بايرن ميونيخ ومانشستر سيتي، حيث ترك بصمة واضحة في تاريخ الأندية من خلال بطولات عدّة، مثل دوري أبطال أوروبا وكأس العالم للأندية.
أما كارلو أنشيلوتي، فقدّم مثالاً إضافياً على التحوّل الناجح من لاعب إلى مدرب مبهر. وبصفته لاعب وسط في ميلان، كان له حضور بارز على أرض الملعب. وعندما انتقل إلى التدريب، اكتسب مكانة مميزة كواحد من أعظم المدربين تاريخياً، واستطاع الفوز بدوري أبطال أوروبا أربع مرات مع ميلان وريال مدريد، وهو رقم قياسيّ لم يسبقه إليه أحد.
على الجانب الآخر، لم يحظَ بعض النجوم بنفس النجاح عند دخول عالم التدريب، مثل تييري هنري، أحد أبرز لاعبي جيله، لكنه لم يتمكّن من تحقيق نتائج إيجابية تُذكر خلال فترة تدريبه لنادي موناكو.
دييغو مارادونا أيضاً، مع كونه أحد أعظم لاعبي الكرة على الإطلاق، لم ينجح كمدرّب، وكانت خيبة الأمل الكبرى عندما خسر منتخب الأرجنتين أمام ألمانيا بنتيجة 0-4 في مونديال 2010، حين افتقر إلى التخطيط والرؤية.
وهناك أمثلة كثيرة أخرى، مثل أسطورة مانشستر يونايتد واين روني، الذي درّب أندية "متواضعة"، ولم يرتقِ إلى مصاف المدربين الكبار. وأما فرانك لامبارد، وبالرغم من أنه درّب تشيلسي وإيفرتون، فإنه لم يُحقق أيّ لقب كمدير فني.
التدريب ساحة تعتمد على الحاضر لا على أمجاد الماضي؛ فالشهرة كلاعب قد تفتح الأبواب إلى مجال التدريب، لكنها لا تكفل له الاستمرار والتميز. وحدهم المدرّبون، الذين يمتلكون مهارات فكرية وإدارية متميزة ويجيدون مواجهة الضغوط، يمكنهم إعادة كتابة التاريخ وإبقاء تأثيرهم على الساحة لسنوات طويلة.