"إمبراطوريات الكرة"... كيف تغيّر شبكات الأندية خريطة اللعبة؟

لم يشارك نادي ليون المكسيكي في نهائيات كأس العالم للأندية الفائتة في الولايات المتحدة، حيث تم استبعاده قبل مدّة وجيزة من انطلاق البطولة، والسبب عدم استيفاء المعايير المتعلّقة بتعدّد ملكيّة الأندية.
هذه العدوى انتقلت إلى القارة الأوروبية، حيث إنّ الموازنة بين تشجيع الاستثمار وضمان النزاهة يصطدمان، وتالياً يواجه الاتحاد الأوروبي "يويفا" ضغوطاً لتأجيل مهلة الفصل بين هياكل الملكية بعد صيف مضطرب شهد حرمان عدد من الأندية، بينها كريستال بالاس، من المشاركة في المسابقات الأوروبية.
تحوّل مفهوم الملكية المتعددة للأندية إلى العنوان الأبرز في صناعة كرة القدم الأوروبية. لم يعد النادي مشروعاً قائماً بذاته، بل أصبح جزءاً من شبكة عابرة للحدود تضم فرقاً في إنكلترا وفرنسا وإسبانيا وسواها، تجمعها هوية استثمارية واحدة. لكنّ هذا النموذج، على ما يحمله من وعود اقتصادية، يصطدم اليوم بجدار القوانين الصارمة التي يفرضها الاتحاد الأوروبي "يويفا"، كما يثير هواجس جماهيرية عميقة تتجاوز المستطيل الأخضر.
الشق الأول يتعلق بالمستثمرين، إذ لا تمثل الملكية المتعددة مجرّد مغامرة عاطفية مع كرة القدم، بل هي أداة اقتصادية دقيقة. فهي تسمح بتنويع المخاطر بين مسابقات قوية وأسواق مختلفة، وتخلق سلسلة قيمة متكاملة تبدأ من التنقيب عن المواهب في الأندية الصغيرة، وتنتهي بتلميعها في الأندية الكبرى، حيث الأرباح من الانتقالات تتضاعف. كذلك، تمنح هذه الشبكات قوة تفاوضية هائلة مع الرعاة، إذ يمكن عقد صفقات عابرة للقارات تعزز العوائد التجارية، وتخفض الكلفة التشغيلية بفضل تشارك الخبرات والتكنولوجيا.
لكنّ هذه الحسابات الباردة تصطدم بتحدٍّ غير مرئي: الخصم التنظيمي. فالإقصاء الأوروبي لأيّ نادٍ من الشبكة لا يعني خسارة حلم رياضيّ فحسب، بل أيضاً خسارة جوائز مالية وحقوق بث توازي عشرات الملايين من اليوروهات.
وفي الشق الفني، يمكن لشبكات الملكية أن تمنح الأندية الصغيرة مساراً ذهبياً لتطوير لاعبيها عبر إعارات مدروسة وخطط تدريب موحدة. لكنّ هذه الميزة تتحوّل إلى سلاح ذي حدين، إذ يلوح شبح تضارب المصالح كلما التقت أندية الشبكة نفسها في بطولة أوروبية. هنا تتدخل لوائح "يويفا" الحازمة، التي تمنع أيّ شخص من امتلاك "تأثير حاسم" على ناديين مشاركين في مسابقة واحدة.
ولعلّ أبرز الأمثلة على اتّساع ظاهرة شبكات الأندية ما يقوم به الوزير الإماراتي الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، فيبرز نفوذ "سيتي فوتبول غروب"، التي يعدّ نادي مانشستر سيتي أهمّ أنديتها، والذي يضمّ تحت جناحيه أكثر من عشرة أندية، بينها جيرونا الإسباني، وتروا الفرنسي، ونيويورك سيتي الأميركي، وملبورن سيتي الأسترالي. ويملك رجل الأعمال الأميركي جون تكستور حصصاً في أولمبيك ليون الفرنسي، وكريستال بالاس الإنكليزي، وبوتافوغو البرازيلي، ومولنبيك البلجيكي، ليكوّن شبكة تمتدّ بين أوروبا وأميركا الجنوبية.
أما مجموعة ريد بُل ففرضت نفسها بنموذج مختلف، إذ تمتلك أندية تحمل هويتها التجارية الصريحة مثل لايبزيغ الألماني، وسالزبورغ النمسوي، مما جعلها نموذجاً صارخاً لعولمة العلامة التجارية عبر كرة القدم.
يرى الكثيرون أنّ "الصناديق العمياء" مجرّد ستار هشّ لا يحجب نفوذاً مستمراً، كما في حالة المالك اليوناني إيفانغيلوس ماريناكيس مع نوتنغهام فورست.
ويبقى صوت الجمهور هو الأكثر حساسية. فالمشجع في المدن المتوسطة أو الصغيرة لا يريد أن يرى ناديه يتحوّل إلى "محطة عبور" للمواهب، قبل انتقالها إلى النادي "القاطرة".
ويجمع الخبراء على أنّ نموذج الملكية المتعددة يمكن أن يولّد قيمة مالية مستدامة إذا أُدير بذكاء، عبر صفقات رعاية متشابكة إلى بيع لاعبين مطوّرين داخل الشبكة. في المقابل، فإن أي عثرة تنظيمية كفيلة بتحويل هذه المكاسب إلى خسائر مضاعفة.
ولا شك في أنّ المشهد يزداد تعقيداً. فبينما يسعى "يويفا" إلى حماية نزاهة المسابقات عبر مهَل زمنية صارمة، ترى الأندية أنّ هذه الصرامة قد تقتل أحلامها قبل أن تبدأ. وفي الأفق، تظهر دعوات لإيجاد نظام أكثر مرونة يوازن ما بين تشجيع الاستثمار وضمان النزاهة، مع إعادة تعريف "التأثير الحاسم" بشكل أوضح.
بالتالي، تقف كرة القدم الأوروبية على مفترق طرق. الملكية المتعددة قد تكون بوابة لعصر جديد من العولمة الكروية، لكنها إن لم تُحكم بضوابط عادلة وشفافة، فإنها ستبقى قنبلة موقوتة تهدد جوهر اللعبة: المنافسة العادلة والشغف الجماهيري.