برشلونة وفياريال في ميامي... "حلم أميركي طويل"؟

سابقة تاريخية قد تثير جدلاً واسعاً وتشكّل منعطفاً مهماً في كرة القدم العالمية، بعدما وافق الاتحاد الإسباني على رفع طلب رسمي من نادي فياريال إلى الاتحاد الأوروبي "يويفا"، لإجراء مباراته مع ضيفه برشلونة ضمن الجولة 17 من "لا ليغا"، في ملعب "هارد روك" بمدينة ميامي الأميركية يوم 20 كانون الأول (ديسمبر) المقبل.
طلب سيفتح باب الجدل على مصراعيه إذا تمت الموافقة عليه من الهيئات الدولية، وتشكل منطلقاً لنقاش أوسع حول مستقبل كرة القدم في عصر العولمة.
لا يعدّ المشروع حديث الولادة، إذ جرت محاولات سابقة في هذا الخصوص، حيث حاولت رابطة الدوري الإسباني بقيادة خافيير تيباس، نقل مواجهة جيرونا مع برشلونة عام 2018 إلى ميامي، إلا أن الاتحاد الدولي "فيفا" عرقل الفكرة، متمسكاً بضرورة إقامة المباريات الرسمية "داخل حدود الاتحاد الوطني"، ثم تكرر الأمر في العام التالي، لنقل مباراة فياريال مع أتلتيكو مدريد إلى الولايات المتحدة أيضاً، إلا أنها اصطدمت بقرارات قضائية ومعارضة الاتحاد الإسباني.
لكن مع انتقال الاتحاد الدولي ورئيسه جياني إنفانتينو إلى الكنف الأميركي الترامبي، يبدو أن الموقف تغيّر، حيث شُكلت مجموعة عمل لدراسة إمكانية خوض مباريات رسمية خارج الحدود، في أعقاب دعاوى قضائية رفعتها شركات راعية في المحاكم الأميركية ضد الاتحاد الأميركي و"فيفا" بتهم الاحتكار، قبل أن تصل الأطراف إلى تسوية أنهت النزاع الطويل، لتفتح الطريق أمام هذه التجربة.
ويرى تيباس أن إقامة المباراة في ميامي "فرصة تاريخية لإيصال الدوري الإسباني إلى جمهور عالمي متعطّش".
الناديان المعنيان برشلونة وفياريال سهّلا المهمة بموافقتهما، إذ يتطلع برشلونة لزيادة إيراداته إثر سنوات من العجز المالي، وبالتالي فإن سوقاً استراتيجي مثل أميركا الشمالية يمنح النادي دفعة تسويقية لموازنة ديونه.
أول الاعتراضات وأشرسها كان من الغريم الأزلي ريال مدريد، الذي وجّه خطاباً رسمياً إلى "يويفا" و"فيفا" طالب فيه برفض المباراة.
ونقلت صحيفة "ماركا" عن مصادر في النادي أن هذا الأمر "انتهاك صارخ لمبدأ العدالة الرياضية. لا يمكن أن يُحرم نادٍ من ميزة ملعبه مقابل صفقة تجارية".
وتحفّظت نقابة اللاعبين الإسبان على لعب المباراة خارجاً، معتبرة أن القرار تم "من دون تشاور كافٍ مع اللاعبين"، وأن السفر الطويل في منتصف الموسم "قد يزيد الأعباء البدنية ويؤثر على نزاهة المسابقة".
ووصف اتحاد مشجعي أوروبا الخطوة بـ"الخطيرة"، وأضاف "الدوري الإسباني ينتمي إلى مدنه وجماهيره. نقل المباريات إلى الخارج يبيع اللعبة ويحوّلها إلى منتج معولم بلا جذور".
أبعاد اقتصادية وسياسية
يرى مراقبون أن الخطوة تفتح باباً اقتصادياً ضخماً: عوائد تذاكر ملعب يتسع لنحو 70 ألف متفرج، حقوق بث موجّهة للسوق الأميركية، ورعايات تجارية جديدة. مصادر في الرابطة تؤكد أن جزءاً من العائدات سيُخصّص لتعويض النادي المضيف عن خسارة إيرادات ملعبه المحلي، مع إمكانية دعم سفر مشجعين من إسبانيا إلى الولايات المتحدة.
وللقضية جانب سياسي، إذ إن موافقة "فيفا" أو رفضه ستحدد معالم المرحلة المقبلة: فهل سيتخلى عن مبدأ "عدم اللعب خارج الحدود"، أم تعترف بواقع جديد يسمح بإقامة مباريات "عابرة للحدود"؟
ولفت مصدر في الاتحاد الأوروبي "يويفا" إلى أن الموضوع معقّد بحسب ما نقل موقع "ذا أتليتيك"، وتابع "يتعلق بالشرعية الرياضية، لكن أيضاً بمستقبل اللعبة في سوق عالمي ضخم. لا قرار قبل التشاور مع فيفا".
السابقة إن تحققت، قد تشجّع دوريات أخرى على خوض التجربة، حيث تحدثت تقارير صحافية عن نيات في إيطاليا لنقل مباراة من "سيري آ" إلى أستراليا، فيما يراقب الدوري الألماني الموقف بحذر. أما الدوري الإنكليزي، فيبدو أقل حماسة حالياً بعدما وصف رئيسه مشروع "المباراة 39" بأنه "غير ضروري".
لا شك بأن إقامة مباراة برشلونة وفياريال قد تكون منعطفاً في تاريخ كرة القدم الحديثة، المؤيدون يرونها خطوة جريئة تضع "الليغا" على خريطة العولمة الرياضية وتمنحها قوة اقتصادية هي بأمسّ الحاجة إليها في ظل تفوّق "بريميير ليغ"، أما المعارضون فيخشون من أن تتحوّل اللعبة إلى سلعة تُباع في الأسواق الأكثر ثراءً، بعيداً من جماهيرها الأصلية وروحها الشعبية.