من مقهى صغير إلى العالمية... الترجي التونسي قصة "دولة" لا تكف عن إسعاد عشاقها

يحتفل نادي الترجي الرياضي التونسي هذه الأيام بالذكرى السادسة بعد المئة لتأسيسه، ليكون بذلك أكبر نادٍ رياضي تونسي، ما يمنحه لقب "شيخ الأندية التونسية" كما يحلو لعشاقه أن ينادوه.
ولم تكن الأعوام الـ106 التي مضت منذ تأسيس أعرق نادي في تونس شاهداً على مختلف التقلبات الرياضية في البلد فحسب، بل كانت أيضاً وفق العديد من المؤرخين، شاهداً على أحداث اجتماعية وسياسية كبرى عاشتها تونس منذ حقبة الاستعمار مروراً بمرحلة الاستقلال وصولاً الى تاريخها الحديث.
ويخوض الترجي التونسي في فرع كرة القدم هذه الأيام مغامرة السعي الى نيل الكأس الإفريقية الخامسة في تاريخه، بعدما ضمن نهاية الأسبوع الماضي ترشحه لربع نهائي المسابقة، بينما تنتظره هذا العام مشاركة استثنائية في كأس العالم للأندية بأميركا في نسختها الأولى.
أرقام قياسية
وترجي تونس ليس مجرد ناد رياضي، فالفريق الذي ينافس على ألقاب عدة محلية وقارية في مختلف الاختصاصات، ويعتبر من أبرز مرشحيها، أصبح أيضاً أول ناد رياضي تونسي يسعى للدخول الى بورصة تونس عبر مجمع "الترجي القابضة" الذي تقدم رسمياً في نهاية كانون الأول الماضي بطلب لإدراجه في البورصة، ليكون بذلك "أول ناد عربي وإفريقي يتداول أسهمه في بورصة الأوراق المالية"، بحسب ما أكده مدير عام "الترجي القابضة" طارق السويسي.
عشق يسري في العروق
في قلب "باب السويقة" المنطقة الشعبية بالعاصمة تونس التي يعشق كل سكانها "الأحمر والأصفر" لونا الترجي التونسي، يجلس الصادق العلوي كل يوم في المقهى نفسه "مقهى الترجي"، ليتبادل أخبار "الجمعية" مع البعض من رفاقه الذين يجمعه بهم حب "الجمعية" قبل أن يقفل عائداً لبيته.
يقول لـ"النهار" إن هذه العادة ورثها عن والده وأعمامه،"هنا الكل يعشق الدولة"، لذلك "فإن المرور بمقهاه طقس يومي لا نستغني عنه" يؤكد المحب، "والدولة" هو الاسم الذي يطلقه "الترجيون" أو "المكشخة" كما يسمون في تونس على ناديهم ،في إشارة إلى قوته فهو الفريق التونسي الأكثر تتويجاً بالبطولات المحلية وبالألقاب الإفريقية في مختلف الاختصاصات وفق الأرقام الرسمية.
وفي ذلك الحي القديم الذي لا مكان فيه الا للونين الأصفر والأحمر اللذين قد تراهما في راية كبيرة معلقة تطل من نافذة احدى الشقق، أو في قبعات أو لباس الشباب الجالسين بالمقاهي التي تتزين مداخلها بدورها بالألوان ذاتها، أو في رسم كبير على أحد الجدران التي يشهد تهالكها على قدم عشق سكان المنطقة لهذا النادي.
احتفالات سنوية
وفي كرة القدم الرياضة الشعبية الأولى في تونس، توّج الترجي بلقب البطولة التونسية 32 مرة، وهو أيضاً الأكثر تتويجاً بلقب الكأس برصيد 15 لقباً، وفي رصيده كذلك 6 ألقاب سوبر تونسي، كذلك توّج في أربع مناسبات ببطولة دوري أبطال إفريقيا، كما شارك في مناسبات عديدة في كأس العالم للأندية.
وبكثير من الفخر، يستحضر إسكندر الشاب الصغير الذي كان يجلس إلى جانب صديقه الصادق" المكشخ"، أمجاد النادي مذكراً بأشهر "ملاحمه المحلية والإفريقية"، كما يسميها، وكيف أنه استطاع "أن يغلب الكل"، يقول:"دمنا أحمر وأصفر وحب الترجي نتوارثه ويسري في عروقنا ".
وفي يوم 15 كانون الثاني/ يناير من كل سنة، يتوجه عشاق "المكشخة" إلى منطقة "باب سويقة" معقل الفريق التاريخي، حيث تقام الاحتفالات بذكرى تأسيس ناديهم الذي يطلق عليه اسم "شيخ الأندية"، وهناك يقوم المحبون بإشعال الشماريخ وحمل رايات عملاقة لفريقهم متغنين بأشهر أهازيجه التي دائماً ما يرددونها في مدارج الملاعب داخل تونس وخارجها.
وعرف عن الترجي وفاء جمهوره له، حتى أنه دائماً ما يكون حاضراً في كل تنقلاته الخارجية. كما أنه يعتبر من الفرق التونسية القليلة التي لها "خلايا أحباء" في غالب مناطق تونس ومدنها.
جزء من تاريخ تونس
لكن الترجي التونسي ليس مجرد ناد رياضي قوي في تونس فحسب، فالفريق عايش مختلف المحطات التاريخية والسياسية في البلاد بدءاً من حقبة الاستعمار وصولاً إلى المرحلة الحديثة.
وبدأت فكرة تأسيس الترجي الرياضي التونسي عام 1919 في مقهى "باب سويقة" الذي لايزال إلى اليوم يحمل الاسم نفسه. وكانت تونس حينها تحت الاستعمار الفرنسي عندما اجتمع عدد من التونسيين وقرروا تأسيس أول ناد رياضي تونسي يديره تونسيون.
وفي تلك الحقبة، تحولت منطقة "باب سويقة" و"الحلفاوين" المجاورة لها إلى مقر لرجالات الحركة الوطنية، ما أحدث تداخلاً بين الرياضة والسياسة، وبعد الاستقلال كان الرئيس بورقيبة أول لرئيس للنادي.
وتقول الباحثة في علم الاجتماع سيرين بالحاج لـ"النهار" إن علاقة المشجعين بناديهم الترجي التونسي ليست مجرد علاقة محب بفريقه المفضل فحسب، بل هي علاقة انتماء، وتضيف أنه "صار يمنح هويةً لهم، لذلك يتفاخرون بلقب "مكشخ" حتى أن البعض منهم يعرّف نفسه على مواقع التواصل الاجتماعي بهذا اللقب رغم أنه قد يكون طبيباً أو مهندساً".
و في ظل الأزمات الكبيرة التي تعيشها تونس منذ أكثر من عقد ونصف عقد تحولت الفرق الرياضية ملاذاً لكثير من التونسيين، و "في حالة الترجي الذي واصل تحقيق نتائج تعتبر جيدة، مثل ذلك لأحبائه نوعاً من التعويض. لذلك يقولون "ما تزهينا (تسعدنا) الا الترجي"، وهذا ما يفسر تلقيبهم لفريقهم بـ"الدولة" في إشارة إلى أنه عوّض خيبات بلدهم "، وفق تعبيرهم.