المقارنة بين اللاعبين الذين يشغلون نفس المركز في الفرق المتنافسة تُعد جانباً محورياً من الإثارة في كرة القدم؛ فهي لا تقتصر على مجرّد تقييم الأداء، بل تمنح الجماهير مساحة لتحليل المهارات الفردية، نقاط القوة والضعف، ما يزيد من حماسة المشجعين.

في ظل المنافسة الشرسة بين جماهير برشلونة وريال مدريد أخيراً، خصوصاً مع تفوّق الفريق الكاتالوني الملحوظ، برز جدل آخر يدور حول من الأفضل بين بيدري نجم الـ"بلوغرانا" وجود بيلينغهام نجم الـ"ميرينغي"؛ وهل يتفوّق الأول أم الكفة ترجح لصالح الثاني؟

بلغة الأرقام، يبدو أنّ بيلينغهام يتفوّق بفارق واضح؛ فالنجم الإنكليزي قدّم مستوى استثنائياً خلال الموسم الماضي، ليس فقط مع ريال مدريد بل أيضاً مع منتخب بلاده في بطولة يورو 2024، إذ كان لاعباً حاسماً وساهم بشكل مباشر في تحقيق العديد من الإنجازات.

في المقابل، صعود بيدري هذا الموسم جاء بعد أن منحه المدرب فليك الثقة الكاملة ليُفجر موهبته، ما جعل الإسباني أحد أهم الأسماء البارزة حالياً في الكرة الأوروبية.

ورغم تركيز الإحصائيات على الأرقام، فإنّ كرة القدم الحديثة تتطلب النظر إلى أبعاد أخرى؛ بيدري، على سبيل المثال، يمتلك قدرات فنية تجعله "دينامو" خط الوسط لبرشلونة، فأسلوبه المميز في التحكم بإيقاع المباريات، حتى تحت الضغط العالي، يُبرز عبقريته الكروية، كما يتميز بقراءته الممتازة للملعب وقدرته على اللعب في مساحات ضيقة، ما يجعله بمثابة اللاعب "المفكر" داخل الميدان.

على عكس كثيرين، بيدري يعتمد على تمركزه الذكي واختياراته الدقيقة أكثر مما يعتمد على الأرقام التقليدية. فبالنسبة إليه، اللعبة تبدأ من العقل قبل القدم؛ وهو يصنع الفارق بتمريراته المدروسة وخلق المساحات لزملائه، ما يمنح برشلونة مرونة كبيرة في أسلوب اللعب. هذه القدرات جعلته حجر الأساس في منظومة فليك، رغم صغر سنه.

أما جود بيلينغهام، فهو لاعب بصبغة هجومية كبيرة. يتميز بحضوره القوي داخل منطقة الجزاء وقدرته على تسجيل الأهداف بلحظات حاسمة، لكنه يعتمد أكثر على الدعم الجماعي من زملائه ليصل إلى أقصى إمكانياته. فعندما يكون ريال مدريد في يومه، يتألق بيلينغهام كجزء من المنظومة العامة؛ أما عندما يتراجع الفريق ككل، يصبح تأثيره محدوداً نسبياً.

إلى ذلك، يعاني بيلينغهام من بعض النقاط التي قد تُعتبر نقطة ضعف، أبرزها بطؤه في الرجوع إلى الدفاع عند مواجهة الهجمات العكسية، بالإضافة إلى بعض لحظات غياب التركيز التي ظهرت هذا الموسم، ما يضع بعض القيود على تأثيره الكامل داخل الملعب.

في نهاية المطاف، الأرقام قد تمنح الأفضلية النسبية لبيلينغهام على المستوى الفردي، لكن عندما يُنقل النقاش إلى أرضية الملعب، يظهر بيدري كلاعب متكامل يصنع الفارق في مركزه بطريقة فريدة؛ دوره يمتد لما هو أبعد من التسجيل والصناعة؛ هو القلب الذي ينبض به برشلونة وعقل الفريق المدبر بلا منازع.