طاشكندي لـ"النهار": تركيزنا على كأس آسيا والهدف إيصال كرة السلة السعودية إلى أعلى مستوى
كانت الملاعب تمتلئ بالجماهير، وكانت اللعبة تشهد شعبية جارفة. حينها، كانت كرة السلة إحدى أكثر الألعاب شعبية في المملكة، وشهدت اهتماماً إعلامياً واسعاً. لكن هذا التألق لم يدم طويلاً، فقد تراجع الأداء في منتصف العقد الأوّل من الألفية الثانية نتيجة اعتزال النجوم وغياب الاستثمار في تطوير المواهب الشابة، مما أدى إلى فقدان اللعبة لجماهيريتها السابقة.
عودة إلى السكة الصحيحة
بدأت رحلة النهوض بكرة السلة السعودية منذ عام 2018 عندما وضعت خطط استراتيجية جديدة لاستعادة بريق اللعبة.
في حديثه لـ"النهار"، قال رئيس اتحاد كرة السلة السعودي غسان طاشكندي: "كرة السلة السعودية مرّت بفترات تصاعدية في التسعينيات، ثم هبط المستوى لأسباب عدة. في الفترة الحالية، نحن نعمل على العودة إلى المنافسة على المستوى القاري".
وأضاف: "التركيز الأكبر في السنوات الأربع الماضية كان على الحوكمة والتواصل واستضافة البطولات ونشر اللعبة؛ وفي الوقت نفسه، كان هناك تركيز على تطوير اللعبة والمنتخب. نحن ندرك أنّ الهوّة موجودة بيننا وبين بقية منتخبات القارة، ونعمل من أجل الوصول إلى أعلى المستويات".
وأشار طاشكندي إلى أنه "قبل 7 سنوات، كان يتخطّى تصنيفنا العالمي الـ120، أما اليوم فتقدّمنا إلى المركز الـ61. هذه القفزة تؤكّد أننا نسير في الطريق الصحيح".
وأكد أنّ الخطط المستقبلية تتضمّن العمل على تطوير المنتخبات بكل فئاتها العمرية وصولاً إلى المنتخب الأوّل.
شاهدوا التقرير كاملاً على يوتيوب
إحياء الدوري المحلي
الدوري المحلي هو العمود الفقري لكرة السلة السعودية، ويمثل المؤشر الأبرز لتطوّر اللعبة. وقد شهدت المملكة تطوّراً كبيراً في تنظيم الدوري وزيادة المنافسة فيه، مما انعكس إيجاباً على مستوى الأندية واللاعبين.
كان يوم 27 كانون الأوّل (ديسمبر) من هذا العام علامة فارقة في تاريخ الدوري، حيث شهدت جدة أكبر مواجهة في تاريخ كرة السلة السعودية بين ناديي الاتحاد والأهلي. المباراة التي أقيمت في قاعة ممتلئة بالجماهير المتحمسة، جمعت الفريقين اللذين دخلا المواجهة بلا أي هزيمة، وكان الفائز فيها سينفرد بصدارة الدوري. انتهت المباراة بأداء ملحمي، وأكدت المستوى الكبير الذي وصل إليه الدوري السعودي.
في هذا السياق، يقول طاشكندي: "وجود دوري قوي يعكس قوّة اللعبة وانتشارها في المملكة، كلّ ذلك مع النقل التلفزيوني سيشجّع الأطفال على الانخراط في هذه اللعبة".
وتابع: "مستوى الدوريّ سيرفع مستوى اللاعبين، وبالتالي ستكون المنافسة أكبر. بطولات مثل بطولة WASL وبعض البطولات الإقليمية تساعدنا على الاحتكاك أكثر، لكن يجب أن ترتفع حدّة وقوّة البطولة المحليّة، وهذا ما نطمح إليه".
من جهته، يصف جعفر الموسى، أحد أبرز المتخصصين في كرة السلة في العالم العربي، الدوري السعودي بأنه "أصبح أكثر شعبية اليوم، بفضل بروز مواهب مميزة جداً"، مشيراً إلى أنّ المباريات الكبرى مثل ديربي الاتحاد والأهلي "تعزز من مكانة الدوري محلياً وإقليمياً".
تطوير المنتخب
تطوير المنتخب الوطني كان ولا يزال ضمن أولويات الاتحاد السعودي لكرة السلة. يشرح طاشكندي في هذا الصدد: "من الصعب أن ننافس على لقب بطولة آسيا، لأنّ هناك منتخبات تمتلك مستويات قوية عالمياً لا قارياً فقط، مثل أوستراليا ونيوزيلندا ولبنان والأردن وكوريا الجنوبية... كل هذه المنتخبات أفضل منا اليوم، لكن ما نطمح إليه هو أن يأتي اليوم الذي نتمكن فيه من منافسة هذه الفرق".
وواصل: "أعتقد أنه في حال أصبحنا بين أفضل 8 منتخبات آسيوية خلال العامين المقبلين، فسيكون ذلك أمراً مهماً. نحن نطمح للأفضل، لكن يجب أن نكون واقعيين أيضاً".
وأوضح الصحافي المتخصص في كرة السلة يحيى العمودي بأنّ "كرة السلة السعودية من عام 2005 حتى عام 2018 مرّت بحقبة من الصيام التام والغياب الكليّ عن كل المحافل العربية والإقليمية والخليجية. لكنها بوجود الاتحاد الحالي، برئاسة غسان طاشكندي، تطوّرت بشكل ملحوظ. فقد حقق المنتخب السعودي البطولة العربية والبطولة الخليجية بعد غياب، ووصل إلى نهائيات كأس السلة الآسيوية بعد غياب طويل جداً. والآن، ستستضيف المملكة كأس آسيا لكرة السلة الصيف المقبل. كل هذه التطوّرات تعكس العمل المبذول من قبل الاتحاد والمسؤولين عن اللعبة في الأندية".
وفي ما يخص اللاعبين المجنسين، كشف طاشكندي عن خطة لضم لاعب على مستوى عالٍ للمشاركة في بطولة آسيا المقبلة، قائلاً: "كما نعلم أنه يحق لكل منتخب أن يجنس لاعباً واحداً فقط، نحن نعمل على ضم لاعب على مستوى عالٍ خلال البطولة الآسيوية".
التركيز على الفئات العمرية
يشير طاشكندي إلى أنه "في السنوات الأربع المقبلة سيكون تركيزنا الأكبر على المنتخبات، من الفئات العمرية الصغيرة إلى المنتخب الأوّل".
وأوضح: "لدينا البطولة الآسيوية في شهر آب (أغسطس) المقبل، وسنصبّ تركيزنا عليها".
ونوّه جعفر الموسى بأنّ "هذا الاستثمار في الأجيال الشابة سيؤسس لمرحلة جديدة من التفوّق"، مشيراً إلى أنّ تطوير اللاعبين الصغار من خلال مسابقات مدرسية وأكاديميات كرة السلة يُعدّ خطوة حاسمة لضمان استدامة اللعبة على المدى الطويل".
النقل التلفزيوني والجماهير
التغطية الإعلامية أصبحت عنصراً رئيسياً في تعزيز شعبية كرة السلة السعودية. ويؤكد طاشكندي أنّ "النقل التلفزيوني وتواجد الجماهير في المدرّجات يرفعان الضغط على اللاعبين لتقديم الأفضل".
من جهته، أثنى الموسى على هذه النقلة النوعية في النقل التلفزيوني، قائلاً: "نحن نمرّ بفترة ذهبية في مختلف المجالات ومنها الرياضة. قدّم لنا ذلك فرصة كبيرة لتغطية كل هذه الأحداث، من فورمولا 1 ورالي داكار ومنافسات كرة القدم والسلة وغيرها... في السابق، كان ذلك بمثابة الحلم، لكن اليوم، مع كل هذه الاستضافات، سنحت لنا الفرصة من أجل تغطية الأحداث العالمية".
وتلعب وسائل الإعلام دوراً مهماً في نشر اللعبة بين الجيل الجديد، حيث يتم عرض المباريات الكبرى مثل ديربي جدة بجودة عالية وتغطية تفصيلية، مما يجعلها أكثر جذباً للمشاهدين.
الدعم الحكومي
ولفت طاشكندي إلى "أننا نتلقى دعماً مباشراً من حكومتنا الرشيدة، ومن سمو وزير الرياضة رئيس اللجنة الأولمبية الأمير عبدالعزيز بن تركي الفيصل، لتطوير كل الرياضات. فوزنا بالتزكية في الانتخابات يشكّل ضغطاً أكبر علينا، لأنّ ذلك يعني أنّ الوسط الرياضي يثق بمجلس الإدارة الحالي، ونتمنى أن نكون على قدر هذه الثقة. نعِد الجمهور بالعمل المتواصل من أجل إيصال كرة السلة إلى أعلى مستوى".
واعتبر أنّ الدعم الحكومي يُعدّ العمود الفقري لهذه النهضة، حيث تتكامل جهود الاتحاد مع رؤية المملكة 2030 لتعزيز مكانة الرياضة كجزء من جودة الحياة.
نحو مستقبل مشرق
مع استضافة المملكة بطولة آسيا لكرة السلة في جدة الصيف المقبل، يبدو أنّ كرة السلة السعودية جاهزة لدخول مرحلة جديدة من النجاح. وقال العمودي: "الإنجازات الأخيرة تعكس العمل الجادّ من قبل الاتحاد والمسؤولين في الأندية".
وأضاف الموسى: "تطوّر اللعبة ليس فقط على مستوى الأندية والمنتخب، بل يشمل بنية تحتيّة متميّزة وتجربة جماهيرية لا مثيل لها".
بتطوير الدوري، وتنظيم فعاليات كبرى مثل ديربي الاتحاد والأهلي، والاستثمار في المواهب الشابة وتعزيز المنتخب الوطني، تسير كرة السلة السعودية بثبات نحو مستقبل أكثر إشراقاً، مع طموحات تعيدها إلى قمة الرياضة في المنطقة، وربما إلى مكانة عالمية مستحقة.
نبض