شح الأمطار بين "غضب الطبيعة" و"الغضب الإلهي"... عادات وتقاليد لبنانية لاستدرار المطر
يُعدّ المطر مورداً حيوياً للحياة على الأرض إلاً أن تساقط الأمطار غير منتظم ولا يمكن التنبؤ به في أجزاء كثيرة من العالم، مما يؤدي إلى الجفاف والمجاعة.
وفي حين تتسبّب الأمطار الغزيرة بفيضانات ومشاكل أخرى، فإن حالات الجفاف تبدو أكثر تدميراً، إذ تؤدّي الى ارتفاع درجات الحرارة وتلحق الضرر بالمحاصيل.
وأدّى التغيّر المناخي حول العالم الى تضاؤل كمية المتساقطات، إذ تسبّبت زيادة الاحتباس الحراري في تغييرات جذرية في أنماط الطقس، بما في ذلك تأخُّر الأمطار أو تقطُّعها.
وبرزت هذا العام ندرة المتساقطات في لبنان وانخفاضها بشكل ملحوظ، ما بات يهدّد بشح كمية المياه التي قد نعاني من تبعاتها خلال الصيف المقبل.
وعلى مدى قرون، طوّر الانسان في جميع أنحاء العالم العديد من طقوس استدعاء المطر لجلب المياه إلى الأراضي الجافة. ولجأ الأقدمون لطقوس تشمل ارتداء الملابس التقليدية وأغطية الرأس المصنوعة من الريش والرقص وقرع الطبول وتقديم القرابين طلباً لاستدرار الأمطار، كذلك لجأت الديانتان الإسلامية والمسيحية للتوسّل والتضرّع الى الله ليتساقط المطر فيما اصطلح على تسميته بـ"صلاة الاستسقاء".

فما هي صلاة الإستسقاء؟
يقول الأب انطوان يوحنا لطوف كاهن أبرشية بيروت للروم الملكيين الكاثوليك في حديث لـ"النهار": "لطالما اهتم الانسان بالمطر لارتباطه بالحياة، عند الاغريق والرومان كان جوبيتر رئيس الآلهة هو إله الطقس، ولكن في الإيمان المسيحي أدرك الإنسان أن الرب هو الذي يرزق كل حي رزقه، هو الذي يُمطر الأمطار بحياة الإنسان". ويضيف: "وقد صلّت الكنيسة منذ فجر تاريخها لأجل أن يعطي الرب مواسم الغلال الوفيرة ويُمطر الأمطار في حينها ويرزق المحاصيل".
أما بالنسبة لصلاة الاستسقاء في الكنيسة، فيشرح الأب لطوف أن "هناك صلوات مشابهة لصلاة الإستسقاء، صلاة استعطاف الرب يسوع والله الأب والثالوث الأقدس لكي ينزل المطر".
وعما إذا كان احتباس الأمطار ينجم عن غضب إلهي، يجيب الأب لطوف: "هي من الدرجة الأولى إساءة استعمال الطبيعة وموارد الطبيعة وتأثّر طبقة الأوزون وتأثّر المناخ بسبب دخان المعامل والصناعة وما شابه"، مشيرا الى أن "الانسان سبّب لنفسه التغيرات بالطبيعة لم تكن مسبوقة من قبل، فالظاهر هو بالدرجة الأولى إساءة استعمال الانسان للطبيعة التي أوكل الله الى آدم وحواء أن يحرسها ويعتني بها".
ويلفت الى أنه "قد يكون ذلك غضباً إلهياً، ولكن بالدرجة الأولى "على نفسها جنت براقش". وفي الحالتين طبعا عودة الانسان الى التوبة والصلاة واستعطاف الرب الإله أن ينزل خيراته وبركاته ونعمه وأمطاره لوفرة محصول الأرض تبقى ضرورية، وعلى الانسان أن يتوب من إساءة استعمال الطبيعة. وسكان الأرض هم ضحية سوء الاستعمال الذي يقوم به حكام الدول العظمى. كما أن ظاهرة النينيو تعصف بالكرة الارضية بأكملها".

يذكر أن ظاهرة النينيو - التذبذب الجنوبي (ENSO) هي سلسلة من أحداث الاحترار والتبريد التي تحدث على طول خط الاستواء في المحيط الهادئ. وهي جزء الاحترار، وتحدث عندما يكون هناك انخفاض في كمية المياه الباردة التي ترتفع إلى سطح البحر بالقرب من أميركا الجنوبية. يؤدي ذلك إلى زيادة درجات حرارة سطح البحر عبر المحيط الهادئ، مما يؤدي بعد ذلك إلى ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي فوقه.
ورداً على سؤال، ينفي الأب لطوف ما يشاع عن أن الكنيسة في لبنان كانت تلجأ للطلب من الله أن يرسل المطر من خلال "رقصة الدبكة" أو ما يُسمى أحيانًا "رقصة المطر" عندما يحدث شح في المتساقطات. ويقول: "الرقص لاستدرار المطر هي عادة عند الافارقة وعند بعض الشعوب البدائية وربما عند الكنعانيين، وهي ممارسة وثنية بدائية قديمة جدا مارستها الشعوب ولا تفيد إطلاقا وليس لها علاقة بصلاة الاستسقاء، ليست صلاة هي استدرار الآلهة التي كانت تعبدها الشعوب البدائية ومن جملة ممارستها الطقوس وقرع الطبول".

صلاة الإستسقاء في الاسلام
أما في الإسلام، فصلاة الاستسقاء هي صلاة نافلة يصليها المسلمون طلباً لنزول الغيث (المطر) ليقطع الجفاف.
ويقول رئيس دائرة الفتاوى في دار الفتوى، إمام وخطيب مسجد المجيدية الشيخ وسيم المزوّق في حديث لـ"النهار": "صلاة الاستسقاء هي سنّة عن رسول الله وتشرع عند احتباس المطر".
وبالنسبة لكيفية القيام بصلاة الاستسقاء يوضح الشيخ المزوّق، "أن المرجعية الدينية في لبنان والمتمثّلة بدار الفتوى هي التي توجّه الناس عبر خطاب أو بيان تحثهم فيه على التوبة الى الله والصدقة للفقراء والمساكين وإصلاح ذات البين، إضافة الى صيام أربعة أيام متتابعة"، شارحاً أن "هذه الأعمال تستحب لما لها من أثر باستجابة الدعاء في هذه الأمور".
ويتابع: "ويخرج الناس الى مكان يستحب أن يكون أرض واسعة لأداء صلاة الاستسقاء أو أنها تؤدّى في المساجد"، لافتاً الى أن الصلاة والأدعية التي تعتمد كلها جاءت ضمن أحاديث منقولة عن النبي محمد الذي كان يستسقي طلباً للمطر".
وعن اعتبار البعض أن عدم تساقط الأمطار سببه "غضب من الله"، يلفت الشيخ المزوّق الى أن "هناك عوامل طبيعية تتعلّق بالمناخ تؤدّي الى انحباس الأمطار لكن هذا الأمر كلّه بتقدير الله وقدرته. فمن الأسباب شرعاً قد يكون غضب ينجم عنه تغيّر المناخ بسبب ذنوب العباد بسبب المعاصي والتقصير وانتشار الفاحشة والرذائل والشواذ والمثلية لجنسية وسواها".
وفي المحصلة، بين "غضب الطبيعة" و"الغضب الإلهي"، تلوح أزمة خطيرة في الأفق تتمثل في ندرة الموارد المائية، والتي من المتوقع أن تؤدي لأزمة مائية حادة تضرب شعوب المنطقة.
نبض