بين الصّحافة والقضاء في لبنان: طرح "آليّة انتقاليّة" برعاية وزيري الإعلام والعدل

تتجدّد في لبنان الإشكالية المتصلة بعلاقة الصحافي بالقضاء، عند كل دعوى ترفع على مؤسسة إعلامية أو على صحافي/ة.
ولعلّ الاجتماع الأخير الذي دعا إليه وزير العدل عادل نصّار بحضور وزير الإعلام بول مرقص، وممثلين عن مواقع إلكترونية، شكّل محطة بارزة في النقاش المفتوح حول المسار القضائي للإعلاميين، وإمكانية صوغ آلية أكثر حماية ووضوحاً.
آلية مقترَحة
طرحت في الاجتماع صيغة تقوم على إعداد لائحة تصدر عبر تنسيق بين وزارتي الإعلام والعدل، بحيث تتضمّن أسماء وسائل إعلامية معترف بها، لا تُستدعى أمام الضابطة العدلية أو النيابات العامة عند حصول دعاوى بحقها، على أن يعتبر اختصاص محكمة المطبوعات حكماً للنظر في هذه الملفات.
هذه الصيغة لم تخلُ من الجدل: البعض رأى فيها سابقة قد تفتح باب الاستنسابية، فيما رأت غالبية الحاضرين فيها تقطيعاً لمرحلة انتقالية بانتظار ولادة قانون إعلام جديد، وخطوة مرحلية تحمي الصحافيين راهناً من ممارسات تعسّفية قد تنال من الحريات.
الحماية من التوقيف
تراكمت الإشكالية مع ممارسات سابقة، حيث كانت النيابات العامة عند تلقّيها شكوى بحق صحافي، تكلف المباحث الجنائية أو مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية بالتحقيق، ما يعني عملياً مثول الصحافيين أمام الضابطة العدلية. وهو ما يناقض مبدأ اختصاص محكمة المطبوعات.
سبق أن دعم وزير الإعلام السابق زياد مكاري موقف "عدم المثول" أمام الأجهزة الأمنية، ومضى وزير الإعلام بول مرقص بدعم مشروع قانون الإعلام بإصلاحاته التي تضمن الحريات، فيما شددت نقابة محرري الصحافة اللبنانية مؤخراً على المبدأ نفسه، مستندة إلى المادتين 28 و29 من قانون المطبوعات، اللتين تحصران ملاحقة الإعلاميين أمام محكمة المطبوعات حصراً.
إشكالية تعريف "الصحافي"
النقاش تطرّق أيضاً إلى تعريف الصحافي في العصر الرقمي. بغياب قانون جديد، يجري اعتبار أن كل موقع إلكتروني ينشر محتوى دورياً بمثابة "مطبوعة"، لكن معظم المنصات غير مسجّلة لدى وزارة الإعلام، ما يفرض تطوير آلية للتسجيل (على سبيل العلم والخبر) كشرط أساسي لتنظيم القطاع، وبالتالي تحديد من تشملهم الحماية القانونية. الحديث هنا عن آلية ينتج منها لائحة تضم أسماء مواقع ترسل من وزير العدل إلى النيابات العامة.
القانون الجديد للإعلام
التطلّع الأكبر يبقى نحو ولادة قانون إعلام حديث، مطروح حالياً أمام لجنة الإدارة والعدل النيابية. هذا القانون يتضمّن إنشاء هيئة مدنية مستقلة تُعنى بتنظيم الإعلام بعيداً من الوصاية السياسية، ويؤكد صون الحريات الإعلامية وحماية المهنة ككيان معنوي مستقل، بما يواكب التطورات التكنولوجية ويؤمّن بيئة ملائمة للتفكير النقدي.
وزير الإعلام بول مرقص شدّد خلال الاجتماع على التزامه بالنسخة المنشورة لمشروع قانون الإعلام على موقع الوزارة، والتي شارك في إعدادها، نافياً أي تعديل أو ملاحظات شخصية قد تُقيّد الحريات. وأكدّ رفضه لأي مقترحات تنتقص من المكتسبات الحقوقية أو تؤخّر المسار التشريعي.
وأوضح عدم نسب أي ملاحظات جهات أخرى أبدت آراءها في المشروع إليه. وأكد أنه لن يوافق على أي مقترحات قد تُطرح خلال النقاش من شأنها الانتقاص من المكتسبات الحقوقية أو تقييد الحريات.
الآلية الانتقالية ليست الحل، لكنها مؤشر على إدراك الحاجة إلى مسار أوضح وأكثر عدالة. أما الرهان الأكبر فيبقى على القانون الجديد للإعلام، الذي إن ولد بصيغته الضامنة للحريات، قد يشكّل حجر الزاوية لإعادة صياغة علاقة أكثر توازناً وشراكة بين الصحافة والقضاء.
الاجتماع الذي شهده مكتب وزير العدل هو واحد من سلسلة اجتماعات عقدت مع صحافيين وإعلاميين، ومن المتوقع أن يعقد وزير الاعلام اجتماعات في المرحلة المقبلة لاستكمال النقاش حول الإطار الذي من شأنه أن يُنتج آلية.