عيد الصليب: نار على القمم ومراسم احتفالية في لبنان
يحتفل المسيحيون في لبنان والعالم اليوم بعيد الصليب المقدس، وتقام القداديس وترفع الصلوات في الكنائس، كما يتم تبريك المياه واخذها الى البيوت لرشها وتقديس ما فيها.
الصور للزميل طوني فرنجية

وعشية العيد، عمت الاحتفالات المناطق اللبنانية حيت اقيمت مزارات للصليب المقدس على الجبال والقمم وفي الأقضية الشمالية.

ففي إهدن، أقيم قداس احتفالي على قمّة جبل مار سركيس حيث رفع منذ سنوات صليب ضخم، يطل على البلدة والجوار فوق النبع مباشرة على الطريق المؤدية الى القرنة السوداء.

ترأّس القداس المونسنيور اسطفان فرنجية بمعاونة كهنة الرعية وحضور جمع من المصلين. وفي عظته بعد الإنجيل، ركز المونسنيور فرنجية على "أنّ المسيح جاء ليعلّمنا التضحية والخدمة للآخرين، وليس مجرد التمسك بالمظاهر الدينية". وأكد "أنّ الصليب ليس مجرد رمز خشبي، بل هو منطق محبة، يتجلى في التضحية بالنفس لأجل الآخرين".

وأشار إلى "أنّ الإيمان الحقيقي يظهر في حياتنا اليومية، في بيوتنا، وعلاقاتنا العائلية، وفي تعاملنا مع المجتمع"، لافتاً الى "أنّ القاعدة الذهبية للأخلاق المسيحية هي: عامل الناس كما تحب أن يعاملوك".

وتناول دور التكنولوجيا الحديثة، مشدداً على "ضرورة استخدامها في نشر المحبة والقيم المسيحية وليس للضرر أو الإفساد". وذكّر بـ"المثال الملهم للقديس الشاب الجديد كارلو أكوتيس، الذي استخدم الإنترنت للتقرب إلى الله ونشر الخير، رغم صغر سنه".

ودعا الى الصلاة من أجل المرضى، الشهداء، والشباب، وحثّ على "التمسك بمنطق المحبة في حياتهم، والنمو في الإيمان والمجتمع المسيحي".
وكما في إهدن كذلك في أقضية الجبة والبترون والكورة حيث رفعت الصلوات على نية لبنان وخلاص شعبه. كما نظمت مسيرات دينية في أكثر من مكان.
وأفادت مراسلة النهار لينا اسماعيل من بعلبك بأن "أهالي بلدة رأس بعلبك مسيرة دينية حاشدة بمناسبة عيد ارتفاع الصليب، انطلقت من كنيسة سيدة رأس بعلبك وصولاً إلى تلة الصليب المشرفة على البلدة".

وشارك في المسيرة الكاهن المساعد في كنيستي مار إلياس وسانت ريتا، الأب ربيع شعبان، إلى جانب الأب سيرج عبد، وبمشاركة من الأخويات، وطلائع وفرسان العذراء، وكشاف التربية الوطنية.

تخللت المسيرة صلوات واختُتمت بريستال روحي حمل رسائل الرجاء والمحبة، وأكد على معاني الصليب كرمزٍ للانتصار والغفران في قلب الإيمان المسيحي.

وأحيا أبناء الرعايا في قرى وبلدات شمالية عدة تقاليد العيد القديمة، لجهة اشعال النار على الجبال وتوزيع الهريسه والحلويات.
وبالعودة إلى ليلة عيد الصليب في مذكرات الرحالة
فقد جاء الآتي:
"وصل عام 1531 إلى جبل لبنان رحالة إسباني هو الأب الفرنسيسكاني أنطونيو دير أرندا وزار البطريرك الماروني موسى سعاده العكاري في مقره في وادي قنوبين.

صودف أن كان يصعد إلى قنوبين ليلة عيد ارتفاع الصليب، فشاهد من حواليه النار مشتعلة على جميع القمم والتلال فأبدى إعجابه بهذا المنظر خصوصاً بعد أن عرف سبب توليع (إشعال) النار وكتب "أن سماء جبل لبنان كانت مضيئة تلك الليلة كأنك في وضح النهار".

كذلك جال في القرن الثامن عشر (ما بين 1735 و 1738) في جبال لبنان رحالة انكليزي يدعى ريشارد بوكوك. وصودف أن كان متوجهاً ليلة عيد الصليب إلى جبة بشري، فكان كيفما التفت يشاهد النار التي أشعلها الأهالي احتفالاً بعيد الصليب. فكتب انه لم يشاهد في أي بلد هكذا احتفالات: "هذه البلاد الليلة شعلة من الأنوار في جردها وسواحلها".




بعلبك
تحت عنوان "لصليبك يا سيدنا نسجد ولقيامتك المقدسة نمجد"، احتفلت رعية القديستين تقلا و بربارة للروم الملكيين الكاثوليك في بعلبك بعيد ارتفاع الصليب المقدس. لم يكن الاحتفال مجرد مناسبة تقليدية، بل تجديد للإيمان وتأكيداً على حضوره الحي في قلوب المؤمنين.
ترأس القداس الإلهي راعي الأبرشية المطران مخائيل فرحا، وعاونه النائب الأسقفي العام للأبرشية الأرشمندريت يوسف شاهين، ورئيس أنطش سيدة المعونات المارونية في بعلبك الأب شربل طراد، وكاهن الرعية الخوري مروان معلوف.

في عظته، لم يتناول المطران فرحا الصليب كرمز تاريخي قديم، بل كرسالة حية، تنبض بالحياة في قلوب المؤمنين اليوم. تحدث عن الصليب ليس كعلامة للألم والعذاب، بل كشاهد على الانتصار الأكبر، انتصار المسيح على الموت واليأس. "ما من حب أعظم من أن يهب الإنسان نفسه في سبيل أحبائه" هذه العبارة لم تكن مجرد كلمات، بل كانت جوهر العظة، فالصليب، كما وصفه المطران فرحا، هو فعل حب وتضحية، قدمه الرب مجاناً من أجل خلاصنا. إنه ليس ضمانة لحب الله لنا فحسب، بل هو دعوة لنا لنحب الآخرين بذات الحب.
كانت الصلاة والكلمات تُلامس قلوب المصلين، الذين استمعوا بإنصات تام، وكأنهم يعيدون اكتشاف المعنى الحقيقي للصليب في حياتهم. فكل واحد منهم كان يحمل صليبه الخاص، ليجد في كلمات المطران فرحا العزاء والقوة والأمل.
بعد القداس، تحوّلت الأجواء الروحانية إلى لقاء اجتماعي دافئ بين أبناء المدينة من كل الأطياف. تجمع الحضور في حديقة المطرانية لتناول عشاء قروي بسيط، مؤكدين بذلك أن الإيمان يتجاوز الطقوس ليصبح حياة مشتركة ومحبة متبادلة، ودافعًا للعيش بكلمة "الصليب" لا كرمز للألم، بل كعنوان للحب والانتصار.

نبض