بعلبك رعية متعطشة لراعيها... وتفتح قلبها للمطران الجديد (صور)

تستعدّ أبرشية بعلبك للروم الملكيين الكاثوليك لاستقبال راعيها الجديد المطران ميخائيل فرحا.
هذا الاستقبال يأتي بعد فترة غياب طويلة استمرت قرابة خمس سنوات، لم تكن مجرّد شغور في منصب إداري، بل تركت فراغاً روحياً عميقاً في نفوس أبناء الأبرشية، الذين اعتبروا المطران دائماً رمزاً للحضور الداعم والسند الدافئ.
كان غياب الراعي يثير الكثير من التساؤلات في نفوس الناس حول مصير كنائسهم ومدارسهم، وأراضيهم وحتى قبور أحبّتهم، ويُؤثّر على تنظيم الأسرار المقدّسة والقرارات الرعوية.
اليوم، ومع الإعلان عن انتخاب مطران جديد، يعود الأمل للنفوس وتتجدّد الصلوات على الشفاه. إنها لحظة ولادة رعوية جديدة تترقّبها الأبرشية بأكملها، حيث تتوق القلوب لعودة رعاية الحياة الروحية إلى كنفها.
منصب لا يقاس بالمظاهر
تعيين المطران الجديد يتجاوز كونه حدثاً كنسياً تقليدياً، ليصبح مؤشراً على أهمية الكرسي الأسقفي في بعلبك، كونه يمثل مركزاً روحياً، اجتماعياً، وثقافياً في منطقة البقاع الشمالي.
لا يطلب أهالي بعلبك المعجزات، بل ينتظرون راعياً يعرف أسماءهم، يمشي بين قراهم، ويسمع وجعهم.
لا كـ"صاحب السيادة" فقط، بل كمن يُرتجى منه أن يكون أباً وأخاً يمسك بيد أبرشيته، ويعيد بناء الجسور التي هدمها الزمن والإهمال.
ففي زمن الأزمات المتلاحقة التي تعصف بلبنان والمناطق الطرفية خصوصاً، لا يُقاس تعيين المطران بالشخصيات الرسمية أو المظاهر، بل بمضمون العودة: عودة الصوت، والوجه، والسند لكل محتاج.
هذا الترقّب لا يقتصر على المسيحيين فقط، فالمسلمون أيضاً ينظرون إلى مجيء المطران الجديد كإشارة استقرار وتجديد، فبعلبك لا تريد الانقسام، بل تسعى إلى كنيسة فاعلة وحاضرة، تمدّ يدها للجميع دون تمييز.
من جهته، يؤكد رئيس بلدية بعلبك المحامي أحمد الطفيلي لـ"النهار": "بعلبك مثال للعيش الواحد ضمن التنوع الذي يميز لبنان الرسالة، والحضور الكنسي الفاعل في بعلبك يشكّل عنصر تكامل واستقرار معنوي واجتماعي أساسي، وإن وطننا بحاجة إلى كل صوت يبني ويجمع، والمطران الجديد يأتي من بيئة أصيلة وقادر على لعب هذا الدور بجدارة".
يضيف: "تتطلع بلدية بعلبك إلى التعاون الكامل مع المطران لما فيه خير المدينة والمنطقة، وهي ستبذل كل الجهود والإمكانيات المطلوبة لإنجاح مهمته".
أما المحامي أنطوان ألوف، فيؤكد لـ"النهار" أن الوجود المسيحي في بعلبك عريق ومتجذر منذ بدايات التبشير، مشدداً على أهمية دور راعي الأبرشية في تعزيز التلاقي بين مكوّنات المدينة، وفي دعم الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من خلال مؤسسات الأبرشية المنتشرة في البقاع الشمالي. وختم بالقول : "أبرشية بعلبك كانت عطشى لوجود راعٍ يرعاها... وقد أتى الراعي الصالح، ليروي ظمأها".
كما يؤكد يمفتي بعلبك- الهرمل الشيخ بكر الرفاعي، لـ"النهار" أن تعيين المطران الجديد في بعلبك ليس مجرد خطوة إدارية، بل يحمل بُعداً روحياً ووطنياً، معتبراً أن المطران هو راعٍ لجماعته، نعم ، لكنه شريك في الهمّ والرجاء وجسر تلاقي بين أبناء المدينة. وشدد على أن العيش المشترك في بعلبك هو ممارسة حيّة تعكس وحدة المسلمين والمسيحيين في المصير، مرحّباً بسيادته شريكاً في خدمة المدينة صوتاً للقيم الجامعة كالمحبة، والرحمة، والوحدة.
فيما أعرب رئيس دير سيدة المعونات المارونية في بعلبك الأب شربل طراد، عن سعادته الكبيرة بانتخاب الأسقف الجديد، لافتاً إلى أن الفرح مضاعف لأنه ابن رأس بعلبك، ويعرف وجع المنطقة وتاريخها، لافتاً إلى أن انتماءه للرهبنة الكرملية وخبرته الغنية سيسهمان في تعزيز التواصل محلياً ودولياً، ما ينعكس إيجاباً على بعلبك والمنطقة.
عبّر الزميل سيمون نصر وهو ابن بلدة رأس بعلبك، عن فخره بانتخاب المطران فرحا، مؤكداً أن محبته وتواضعه جعلا منه نعمة لرأس بعلبك والمنطقة، فهو ابن هذه الأرض، وإنه سيكون كما عهدوه راعياً منفتحاً ومنارة للمحبة والعطاء.
المطران القادم لا يُطلب منه المستحيل، بل فقط أن يكون راعياً على مثال المسيح؛ أن يرافق، أن يحاور، وأن يقف مع أبناء أبرشيته في السراء والضراء. فالراعي الصالح، بحسب الإنجيلي يوحنا، "يبذل نفسه عن الخراف ويسير أمامها ويدعوها بأسمائها ويعمل لوحدتها حتى يكون الكل رعية واحدة لراعٍ واحد".
خلال شغور الكرسي الأسقفي، تولّى المطران جاورجيوس إدوارد ضاهر مهام الإدارة الروحية والإدارية كمدبّر بطريركي، بالتنسيق مع البطريركية، لضمان استمرارية العمل الكنسي.
في الوقت نفسه، اضطلع النائب الأسقفي الأرشمندريت يوسف شاهين بدور محوري ميداني في كنيسة القديسة بربارة – بعلبك، حيث حافظ على الحياة الرعوية وواكب هموم المؤمنين حتى لو غاب راعيها الرسمي، بمؤازرة الأب مروان معلوف.
تقف رعية القديسة بربارة في بعلبك متعطشة لراعيها، بعد سنوات من الانتظار. ففي هذه المدينة التي تحتضن تاريخ الإيمان، لم تفقد القلوب الأمل في عودة نبض الرعاية الروحية. ومع اقتراب وصول المطران الجديد يوم الجمعة المقبل، تستعدّ الكنيسة لقرع أجراسها مجدداً، ليس احتفالاً بملء الشغور وحسب، بل إعلاناً عن بداية عهد جديد من الحضور والتجديد.
مراسم التولية خلال الإحتفال بالذبيحية الإلهية يوم الأحد المقبل، ستكون أكثر من مجرد لحظة ليتورجية؛ إنها إعلان ولادة جديدة للأبرشية، لحظة التقاء بين الأرض والسماء، وبين الرعية وراعيها.
بعلبك تفتح قلبها، لا تنتظر اسماً، بل تنتظر قلباً يزرع المحبة ويعيد الحياة. المطران قادم... وبعلبك تُصلّي.