قوى الأمن الداخلي في عيدها الـ164... 800 متطوع جديد في مقابل "فرار" عدد آخر

في الذكرى الرابعة والستين بعد المئة لتأسيس قوى الأمن الداخلي، يعود الحديث مجدداً عن واقع هذه المؤسسة الأمنية، التي تواجه منذ سنوات تحديات غير مسبوقة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والمهنية، في ظل تفاقم الأزمة اللبنانية وانعكاسها الحادّ على المؤسسات العامة كافة، لاسيما الأمنية منها.
ففي يوم عيدها، تحاول هذه القوى أن تثبّت وجودها كركيزة للاستقرار الداخلي، رغم كل ما يعتري بنيتها من صعوبات. ومع تغيّر الوجوه على رأس المؤسسة، وتسلّم اللواء رائد عبد الله منصبه مديراً عاماً، جاء كلامه في المناسبة بنبرة واقعية ومسؤولة، راسماً خط عمل للمرحلة المقبلة من عمر المؤسسة، ومشدداً على أن "الرهان على قوى الأمن الداخلي هو ضمانة لأمن الناس والمجتمع"، داعياً العناصر إلى أن يكونوا على قدر المسؤولية التي أوليت لهم، وعلى قدر الأمانة التي ينتظرها الناس منهم.
السنوات الأخيرة كانت قاسية على لبنان، ومع انهيار الليرة اللبنانية وتدهور القدرة الشرائية، تأثرت القوى الأمنية بشدة. اليوم، يراوح راتب العنصر في قوى الأمن الداخلي بين 300 و800 دولار بحسب الرتبة، وهو مبلغ لا يكاد يكفي لتغطية أبسط متطلبات العيش، في بلد تجاوزت فيه نسب الغلاء 14% خلال الأشهر الماضية وحدها، وتضاعفت فيه كلفة النقل والطبابة والتعليم، فيما بقيت الرواتب تراوح مكانها. الحكومة وعدت بزيادة جديدة للعسكريين بدءاً من تموز المقبل، إلا أن هذه الخطوة لا تزال خاضعة لمعيار "منحة موقتة" ولا تشكل حلاً مستداماً لمعضلة الدخل.
رغم ذلك، ما زالت المؤسسة تحاول الإبقاء على الحد الأدنى من التقديمات الصحية والاجتماعية. الخدمات الطبية ما زالت قائمة، وإنْ كانت تعاني من تأخّر في دفع المستحقات أو بعض العراقيل الإدارية والمالية، ما يؤدي إلى تراكم الفواتير أو تغطية ناقصة في بعض الأحيان. تعامل المستشفيات مع العناصر يختلف بين متساهل ومتشدد، بحسب الحالة ونوع العلاج، فيما تبقى مديرية قوى الأمن على تواصل دائم مع الجهات الضامنة في محاولة لتخفيف الأعباء عن كاهل العسكريين.
على صعيد التطويع، جرى أخيراً تخريج دفعة جديدة تضم نحو 800 عنصر، وهناك دورة جديدة قيد التحضير لما يقارب ألف عنصر إضافي. الإقبال على التطوع لا يزال قائماً، ويعكس رغبة الكثير من الشباب في الانخراط ضمن مؤسسة ما زالت تؤمّن راتباً منتظماً وضماناً صحياً، ولو كان ذلك ضمن حدّه الأدنى. ومع تطور متطلبات الخدمة، باتت المؤسسة تحرص على قبول أصحاب الكفاءات العلمية، وتشجّع انخراط النساء في صفوفها. ورغم بروز بعض النقاشات الطائفية حول نسب المتقدمين، تؤكد مصادر داخل المؤسسة أن التنوع الطائفي محفوظ، وأن آلية الاختيار تعتمد على معايير مهنية واضحة.
في المقابل، فإن ظاهرة التسرب من المؤسسة، أو ما يُعرف بـ"الفرار"، لا يمكن تجاهلها. فقد قدّم عدد كبير من العناصر طلبات تسريح في السنوات الأخيرة، لكن قيادة المؤسسة عمدت إلى ضبط إيقاع التسريح، كي لا تفقد التوازن العددي والخبراتي لعناصرها. البعض يعمل بوظائف جانبية لتأمين مدخول إضافي، الأمر الذي لا يتوافق دائماً مع القوانين، لكن يُغضّ النظر عنه في بعض الحالات بسبب الواقع المعيشي القاسي. أما بالنسبة لخطط تحسين الرواتب والحد من التسرب، فتبقى مرتبطة بقدرة الدولة على تمويل المؤسسة، وهو أمر محفوف بالشكوك في ظل غياب إصلاح مالي شامل.
وسط هذا المشهد المتداخل، تبقى قوى الأمن الداخلي صامدة بما توفّر من إمكانيات، وبما تملكه من إرادة عناصرها وضباطها. وفي كلمته بالمناسبة، دعا اللواء رائد عبد الله العسكريين إلى التمسك بالانضباط والاحترافية، ومواصلة العمل على حماية الناس ومؤسسات الدولة، مؤكداً أن المؤسسة ستظل في الخط الأمامي بمواجهة كل من يعبث بأمن البلاد.