في عالم يموج بالمعلومات والتجارب اليومية، برز مفهوم الـ"Meta Cognition" أو ما وراء المعرفة كأداة أساسية لفهم أعمق للذات وللتعلّم الحقيقي. برزت الباحثة اللبنانية هبة سلام التي انفردت بتقديم رؤيتها الخاصة لهذا المجال بأسلوب يمزج بين العلم والتجربة الإنسانية. أرادت هبة من خلال مشروعها أن تدعو كل فرد إلى التأمل في طريقة تفكيره، والغوص في جوهر المعلومات بدلاً من الاكتفاء بسطحها، وأن يرى في تفاصيل الحياة اليومية فرصاً دائمة للتعلّم والنمو.

الباحثة هبة سلام خلال الـMetaCognition Hub.

لقد جاء طرحها لـ"الميتا كوغنيشن" كرحلة داخلية، تُعيد تعريف علاقتنا بالمعرفة والتجربة، وتدفعنا لأن نكون مشاركين واعين في تشكيل عقولنا ومفاهيمنا، لا مجرد متلقين. إنها دعوة للتفكر، للوعي، ولأن يكون التعلم أسلوب حياة لا مرحلة عابرة.

"فكّر كيف تفكّر"... بهذه العبارة تختصر الباحثة اللبنانية هبة سلام الحائزة على ماجستير بحثي في التربية  وطالبة الدكتوراه في الجامعة اللبنانية بدايات رحلتها نحو مفهوم "الميتا كوغنيشن" أو ما وراء المعرفة، الذي شكّل محوراً لرؤيتها التعليمية ومشروعها الهادف إلى إعادة تعريف العلاقة بين الإنسان والمعرفة.

تقول سلام: "منذ طفولتي، كنت أعيش لحظات تأمل عميقة، أراقب فيها طريقة تفكيري وأتساءل عن معنى التعلّم. لم يكن همّي كمّ المعلومات بقدر ما كان شغفي منصبّاً على جوهرها وعمقها. هذه الحالة المبكرة من التأمل ساعدتني على تنمية وعي ذاتي حقيقي، فتح لي أبواباً لفهم الذات والتعلّم بشكل أعمق".

المشاركون في الـMetaCognition Hub

لم تكتفِ سلام بالأساليب التقليدية في التعليم، بل كانت دوماً في رحلة بحث عن "كيف نتعلّم"، وليس فقط "ماذا نتعلّم". وتضيف: "كنت أطرح على نفسي أسئلة اعتبرها البعض غريبة: لماذا علينا جميعاً أن نتعلّم بالطريقة نفسها؟ ماذا عن اختلاف الشخصيات؟ ولماذا لا تتغير طرق الدراسة من مادة إلى أخرى؟"

هذه الأسئلة، كما تقول، كانت شرارة البداية نحو مفهوم أوسع وأعمق لما يُعرف اليوم بـ"الميتا كوغنيشن".

في عام 2019، وخلال تحضير أبحاثها الأكاديمية، بدأت سلام التعمّق في دراسة هذا المفهوم الذي يقوم على ثلاث مهارات أساسية: التخطيط، المراقبة، والتقييم، وهي ليست مجرّد أدوات تعليمية، بل منهج حياة يساعد الفرد على تحليل أفكاره ومشاعره والتفاعل مع تجاربه بوعي أعلى.

وترى سلام أن الميتا كوغنيشن هو القدرة على تأمل تفاصيل التجربة وتحويلها إلى مادة للتعلّم، بعيداً عن الحفظ والتلقين. وهي مهارة تندرج ضمن نطاقي الوعي الذاتي (Self-Awareness) والتنظيم الذاتي (Self-Regulation)، وهما من المهارات الأساسية لمواجهة تحديات العصر المتسارع.

انطلاقاً من هذه الرؤية، أطلقت سلام أول Meta Talk في 20 نيسان 2024، تحت عنوان "قوة الإصرار"، لتشارك تجربتها الشخصية مع الجمهور، وتشرح كيف غيّر هذا المفهوم علاقتها بالتعلّم والحياة.

مفوضية بيروت في كشاف التربية الوطنية تشارك في تشريفات الـ(meta talk).

وفي 22 شباط 2025، دشّنت رسميًا جميع برامج MetaCognition Hub في حفل حضره عدد من التربويين وأساتذة الجامعات. ووصفت هذه الخطوة بأنها بداية جديدة لفكر تربوي أكثر تنظيمًا، يهدف إلى إرساء تعليم واقعي ومجتمع أكثر وعياً.

لأفكار أكثر تنظيماً، وتعليم أكثر واقعية، ولمجتمع أكثر وعياً—هكذا تختصر هبة سلام رؤيتها لمستقبل المعرفة في العالم العربي.