"البيت فاضي" و"بهجة" رمضان غائبة... عائلات تفتقد أفرادها على موائد الإفطار بعد الحرب
خطفت الحرب "لمّة" العائلة، وغابت "البهجة" المنتظَرة كلّ عام مع غياب الأزواج والآباء والأمّهات، وباتت آلاف العائلات تفتقد فرداً على الأقل من أبنائها على مائدة الإفطار.
في هذا التقرير، ننقل بعضاً من قصص العائلات من جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت، مِمّن دقّ اليُتم بابهم خلال الحرب، وباتت موائدهم ناقصة في الشهر الكريم.
تروي زوجة سويدان لـ"النهار" أنّ "الأطفال يشعرون بفقد والدهم في هذا الشهر ويستذكرونه عند كلّ تفصيل، فكان حريصاً على إيقاظنا للسحور، وتحضير العصائر والحلويات".
ثمّة شعور لدى العائلة بـ"الانسلاخ عن المحيط"، خصوصاً بعدما دُمّر المنزل في الجنوب والانتقال إلى بيروت، إذ "لم يعتَد الأولاد بعد على البيئة الجديدة والمدرسة".
وتضيف الزوجة: "اعتاد الشهيد قاسم إحضار أغراض البيت كلّها قُبيل أيام من الصيام، إلّا أنّني حتى الآن، لم أجهّز شيئاً لشهر رمضان، وكأنّني لا أزال عاجزة عن فعل شيء في غيابه".
تصوير أحمد منتش.

"لا لذّة للطّعام كالسابق"
من ناحيتها، اختبرت عائلة عقيل الفقد منذ شهر رمضان الماضي، حينما استُشهد ابنها الأصغر حسين، وحاول شقيقه الأكبر محمد تعويض الفقد بحضوره وعائلته يوميّاً في منزل والدَيه، على مائدة الإفطار. إلّا أنّ هذا العام يحلّ بخسارة أكبر، بعدما فقدت العائلة محمد أيضاً، إضافة إلى زوج ابنته.
منذ 24 عاماً، لم يغِب محمد عقيل عن عائلته يوماً. وبحسب زوجته فاطمة، فقد "اعتدنا سنويّاً تناول الإفطار في منزل العائلة حيث يقضي أولادي غالبية وقتهم مع جدّيهما، أما اليوم، فبات البُعد الجغرافي الذي فرضته الحرب علينا، ودمار بيوتنا، يحول دون اجتماعنا يوميّاً".
تصف فاطمة زوجها الراحل بـ"ركن البيت"، وتقول لـ"النهار": "شعورنا صعب جدّاً، فالأولاد اعتادوا جوّ الجَمعة... لم نعُد نشعر ببهجة رمضان، وزحمة التحضير والزينة، فثمّة شيء ناقص، ولا لذّة للطعام كالسابق".
وتروي بعضاً من خصال زوجها خلال هذا الشهر: "لم يكُن زوجي متطلّباً في أنواع الطعام، وكان حريصاً على إتمام صلاة المغرب قبل الإفطار".
وعلى الرغم من عُمق الجرح الذي خلّفته الحرب، لم يُثنِ ذلك من عزيمتهم، بحسب ما تؤكد فاطمة، وتضيف: "علينا أن نبقى أقوياء لمساعدة أولادنا، فأنا اليوم الأم والأب والأخ، وإذا ضعفت فسيضعف الأولاد، ولكن لاأراديّاً تسبقني الدمعة، فالبيت راح وزوجي راح والذكريات راحت....".
أمّا لارا، التي قضت مع زوجها يوسف زغيب 8 سنوات، فستفتقد أٌنسه على مائدتَي الإفطار والسحور للمرة الأولى هذا العام، فـ"شهر رمضان كان عزيزاً ليوسف، ولطالما حرص على إتمام واجباته الدينية قبل الإفطار ولو تأخّر الوقت حتى العاشرة ليلاً".
وفيما تُعرَف إفطارات رمضان بتنوّع الأطباق والمقبّلات، كان يوسف يؤكد "عدم الإسراف في الأكل، ويُبادر للمساعدة في تحضير الإفطار والطاولة"، وفق ما تروي لارا.
وتقول لـ"النهار": "شهر رمضان خالٍ من دونه اليوم، فقد كان يجمع الكلّ، ويُشدّد على الاتصال بإخوته للاجتماع في منزل العائلة، وقد ترك غيابه فراغاً كبيراً لدى العائلة وكسرنا جميعاً".
تصوير أحمد منتش.

عائلة بزّي: "السهرات ما بترجع، والبسطة راحت"
القصّة هنا مختلفة، مع خسارة 6 شهداء من عائلة واحدة، لطالما عُرِفت بحُب الغير والكرم وحُسن الضيافة في شهر رمضان. هذا منزل عمّي في حارة حريك، الذي لم يخلُ طوال السنوات الأخيرة من "عجقة" المحبّين. غابت الوالدة سعاد عن دارها، ومعها 4 من أولادها وحفيدها، فغابت معهم "فرحة الشهر الكريم ولمّة العائلة".
لم يستطِع علي بزّي حبس دموعه خلال حديثه عن "غُربة" المنزل، متسائلاً: "اليوم الأول صعب جدّاً، كيف سنقضي أنا وشقيقاي الشهر الكريم بمفردنا؟... حاسّين بكسرة ظهر والبيت فاضي".
يستذكر علي انهماك والدته سعاد في تحضير الإفطار يوميّاً، إذ "كانت تُخصّص لكلّ فرد منّا طبقه الذي يُحبّ، وتقضي ساعات في المطبخ حتى أذان المغرب لتُرضينا جميعاً"، أمّا اليوم، فلا سفرة رمضانية كاملة في البيت، و"سنضطرّ لطلب "الديليفري" يوميّاً أو تحضير المقالي مثلاً".
لطلما اعتادت العائلة إقامة السهرات الرمضانية اليومية وجمع الأقرباء، خاصة بعدما افتتح الشهداء الأشقّاء حسن وحسين ورامي عربة كعك قُرب منزلهم في حارة حريك، وقد دأب أهالي الحيّ على قصدها يوميّاً عند ساعات السحور. أمّا اليوم، فيقول علي: "السهرات ما بترجع، والبسطة راحت... ما رح نفتحها".

الشهيدان حسن وحسين بزّي، وشقيقهما علي الناجي من مجزرة الجناح ليل 21 تشرين الأول/ أكتوبر 2024.

نبض