برز الصحافيون اللبنانيون خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة كأبطال في ميدان العمل الإعلامي، حيث كانت تغطيتهم للأحداث بمثابة مرآة حية للمأساة التي عاشتها البلاد.

استمر هؤلاء الصحافيون في أداء دورهم المهني رغم التحديات، من قصف جوي ومدفعي، وانعدام الأمان، والمخاطر اليومية التي تهدد حياتهم، كالخطر أثناء تنقلاتهم والحذر للبقاء أحياء.

ورغم الصعوبات التي واجهوها، عملوا بلا كلل لنقل الحقائق، مما جعل التغطية الحقيقية للأحداث أكثر تعقيداً.

وسقط في لبنان عدد من الشهداء الصحافيين أثناء تأديتهم واجبهم المهني، جراء الهمجية الإسرائيلية.

مراسلو "النهار" كانوا ممن واكبوا الحرب الإسرائيلية على لبنان ونقلوا الصورة كما هي. فما هي الصعوبات التي واجهوها؟ وماذا علمتهم التجربة؟

الزميل المراسل سمير صباغ

"زاد التعلق بالأرض"...
سمير صباغ مراسل "النهار" في النبطية جنوبي لبنان، اضطر إلى مغادرة مدينته في بداية الحرب بعد قصف طال منزلاً قريباً من مسكنه، فقام بتغطية الأحداث عن بُعد من خلال اتصالات مع الهيئات الصحية.

بعد فترة من الحرب، توجه صباغ إلى النبطية لمدة يومين، كما يروي في مقابلة خاصة مع "النهار". وقام بجولة داخل المدينة، وصفها بأنها كانت "صعبة"، وكان يشعر دائماً أنه عائد إلى مكان يشبه "الصحراء".

يشير صباغ إلى مشاهد الدمار التي رآها وذكرياته في المدينة، من شوارع إلى محلات تجارية، كما فقد بعض الأشخاص المقربين له. ويؤكد أن الموضوع بالنسبة له أبعد من مجرد "أبنية دُمِّرت".

وعند عودته من النبطية إلى مكان نزوحه، شعر صباغ كـ"طفل يبكي" لأنه ترك الجنوب.

أما عن المعوقات التي واجهها، فيلفت صباغ إلى أنها كانت كثيرة، مثل صعوبة التنقل من منطقة إلى أخرى إلا في أوقاتٍ معينة، بالإضافة إلى غياب الأمان، مما جعله مضطراً لانتظار الهيئات الصحية للقيام بأي حركة. كما واجه مشكلة ضعف الإنترنت.

لكن مع كل تحدٍّ، تولد تجربة جديدة للإنسان. وبالنسبة لصباغ، وبعد عمله كمراسل منذ عام 2010 وحتى اليوم، زاد تعلقه بالمكان والأرض، خاصةً مدينة النبطية.

على الصعيد المهني، علمته التجربة كيف ينقل الصورة كما هي، حسب قوله، وأهمية أن تكون الشفافية في مقدمة التغطية، وهو ما تعلمه من "النهار"، "مما زاد ثقة الناس بالمؤسسة".

ويضيف في حديثه: "أن تعيش في الحرب وتعمل بجدية بعيداً عن الضغوط كانت من أهم التحديات التي تخطيناها".

الزميلة المراسلة لينا اسماعيل

"يوم القيامة"...
لينا إسماعيل، مراسلة "النهار" في بعلبك شرقي لبنان، كان لها أيضاً تجربة خلال الحرب الإسرائيلية، حيث بقيت نحو شهر ونصف في منطقتها، التي تعد من أكبر الأقضية في لبنان.

تعرضت محافظة بعلبك- الهرمل لقصف شديد من قبل الجيش الإسرائيلي، وطال معظم المناطق، ما شكّل صعوبة في تغطية كافة الاعتداءات بسبب بُعد المسافات وتحليق المسيَّرات المستمر، كما تقول إسماعيل في حديث لـ"النهار".

وتشير في حديثها إلى أدبيات المهنة، ما جعلها تبتعد عن إجراء المقابلات مع الأهالي أو أخذ المعلومات منهم "احتراماً لمشاعرهم وإحساسهم" في تلك الأيام، ولا سيما بعد وقوع مجزرة.

وتحدثت إسماعيل عن أيامٍ صعبة خلال تغطيتها للحرب الإسرائيلية، عندما وجه المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي تحذيراً بإخلاء مدينة بعلبك، وتصف ذلك اليوم بـ"يوم القيامة".

وتروي في حديثها بعض المشاهد من تلك الفترة، من إطلاق الرصاص إلى بكاء الأهالي والأطفال وكثرة السيارات وغيرها.

ومن الصعوبات التي واجهتها اسماعيل كانت لحظة الإعلان عن سقوط ضحايا مدنيين جراء الغارات، حيث كان "قلبها يحترق" وفق قولها، ما جعلها تواجه صعوبة في نقل الخبر، خصوصاً عند معرفة أن الضحايا كانوا أشلاء.

وتقول في حديثها: "للأسف، كان يتم اغتيال تاريخ وحجارة مدينة بعلبك قبل البشر... وقد تغيرت بعض معالم المدينة التاريخية".

وعن تجربتها بعد الحرب، تشير إسماعيل إلى أنها تعرفت على كيفية أن يكون المواطن "إنسانياً"، كما تحولت من شخص خائف إلى شخص قوي.

يعكس كل من سمير صباغ ولينا إسماعيل، من خلال تغطيتهما للعديد من الأحداث الصعبة، كيف أن العمل الصحافي في أوقات الأزمات يتطلب شجاعةً من نوع خاص، حيث لا يقتصر على نقل الأخبار فقط، بل على نقل الواقع بكل ما فيه من آلام وأمل.

ورغم جميع التحديات التي واجهوها، إلا أن التجربة علمتهما أن الإصرار على نقل الحقيقة بموضوعية وشفافية هو ما يعزز الثقة بالمؤسسات الإعلامية.