حكاية صمود في جنوب لبنان: مررنا بأيام صعبة لكن لم نترك أرضنا

انتهت الحرب الإسرائيلية على لبنان، حاصدةً نحو 4000 شهيد، ومخلفةً دماراً هائلاً في معظم المناطق.
كانت حرباً صعبة مرّت على جميع اللبنانيين من دون استثناء، وستظل تأثيراتها تلاحق حياة المواطنين في المرحلة المقبلة، إلى أن تبدأ عملية إعادة الإعمار، وتعود الحياة الاقتصادية تدريجياً.
منذ أن توسعت الهجمات الإسرائيلية على لبنان في 23 أيلول (سبتمبر)، اضطر العديد من اللبنانيين لترك قراهم بسبب همجية القصف، فيما رفض القليل منهم المغادرة، لأسباب إنسانية أو للقيام بواجبهم، مثل المنظمات الصحية.
دير قانون النهر في قضاء صور جنوبي لبنان، كغيرها من القرى، خلت من معظم ساكنيها، إلا أن البعض أبى أن يتركها، فبقي صامداً حتى نهاية الحرب.
أمام ما سبق، ما هي الأسباب التي دفعت البعض إلى البقاء في قريتهم؟ وكيف يروي الصامدون تجربة الصمود تحت القصف الإسرائيلي؟
قصة صمود...
يقول هادي عز الدين، أحد الصامدين في بلدة دير قانون النهر والمتطوع في "جمعية الرسالة للإسعاف الصحي"، إنَّ "الحس الوطني دفعني للبقاء في بلدتي للدفاع عن أرضنا وأداء الواجب كمسعفين"، مضيفاً أنه "مع بداية الحرب، نزح الكثير من الشباب، وهنا يبقى السؤال: إذا خرج الجميع، فمن يبقى ليقوم بواجب الصامدين؟".
ويروي عز الدين ما شعر به عندما زار أهله في مكان النزوح، حيث ترك القرية أياماً عدة، قائلاً: "لم أكن مرتاحاً، وعندما عدت إلى دير قانون النهر ارتحت نفسياً رغم خطر الموت".
بالإضافة إلى كونه متطوعاً في "جمعية الرسالة للإسعاف الصحي"، يعمل هادي في فرن خاص له ولعائلته. ويشير في هذا السياق إلى أنه أبدى استعداده منذ البداية لمساعدة من بقوا في البلدة، عبر تأمين الطعام.
ويؤكد أن "الموضوع كان خطيراً، وكنتُ أتخذ الاحتياطات اللازمة، لكون الطائرات الحربية والمسيَّرات لم تفارق القرية طيلة الحرب".
وعن بعض تفاصيل الحياة اليومية، يلفت عز الدين في حديثه لـ"النهار" إلى أن شباب "الإسعاف الصحي" كانوا يستيقظون منذ الفجر، "نتناول وجبتين في اليوم، وكنا نتجنب التجمعات حفاظاً على سلامتنا، وحتى في النوم كان كل واحدٍ منا ينام بمفرده، مع مرور ليالٍ صعبة".
وحول عمل المسعفين، يقول: "لدينا آليات من مختلف الأنواع، وكل فريق يتكون من شخصين، وإن دعت الحاجة نكون ثلاثة. وعند حدوث أي غارة، يذهب أحد الأشخاص لتقييم الوضع، ومن بعدها يتم العمل حسب الحاجة".
وتحدث عز الدين عن العمل في ظل الشتاء وقسوة البرد، مشيراً إلى أن البعض كان ينام في أماكن تهطل فيها الأمطار. ويتابع: "يومنا كان يتكون من 3 إلى 4 ساعات نوم فقط ضمن دوامات محددة، لكي يبقى البعض جاهزاً في حال حدوث أي طارئ".
وعن متابعة أحوال الصامدين الآخرين في دير قانون النهر، يقول: "من الأيام الأولى أحصينا الموجودين ومكان إقامتهم، لتسهيل عملنا عند حدوث أي غارة وللتأكد من وجود أشخاص هناك".
ويضيف: "أخلينا نحو 20 شخصاً من كبار السن، بعدما تركهم ذووهم. كنا نحاول قدر المستطاع تأمين المواد الغذائية للصامدين في القرية".
وتوجه عز الدين بالشكر لكل من ساعدهم في تأمين الوقود لآليات "الإسعاف الصحي" والأموال للصيانة، ولكل من فتح محله أمام المواطنين ليأخذوا الحاجيات الأساسية.
وخلال فترة الحرب في دير قانون النهر، كان يسود جو من الألفة والتضامن والمحبة بين الجميع وكأنهم أسرة واحدة.
وكغيرها من القرى الجنوبية، كان لدير قانون النهر حصة من الدمار والشهداء الذين بلغ عددهم نحو 30.
الدافع الخدماتي وراء المغامرة...
كما هادي عز الدين، هناك بعض الأشخاص الذين لم يتركوا بلدتهم دير قانون النهر، مثل ح.ق. الذي بقي فيها حتى نهاية الحرب.
ويقول في حديثٍ مع "النهار" إنَّ "الدافع الأساسي للبقاء هو أن هذه الأرض أرضنا، ويجب ألا نخلي الجنوب من الشباب خشية حدوث أي عملية تسلل أو إنزال إسرائيلي".
ومن الدوافع أيضاً، يشير إلى تقديم الخدمات الأساسية لسكان البلدة من كهرباء ومياه. وهو بالتنسيق مع رئيس بلدية دير قانون النهر تسلّم ملفي المياه والكهرباء، لمساعدة الأهالي في البلدة على البقاء في أرضهم".
وعن العمل في ظل الحرب، يشير إلى أنه "كان هناك صعوبة في التحرك تحت المسيَّرات والطيران الحربي والغارات اليومية، وكنا نحاول أن نجاهد بأبسط الأمور من دون تردد أو خوف".
ويختم حديثه بالقول: "واجبنا أن نبقى ونخدم الناس. في النهار كنا نعمل لتأمين المياه والكهرباء، وليلاً كنا نعمل كحراسة تحسباً لإنزال من العدو".
ومع نهاية هذه الحرب الصعبة على اللبنانيين، يبقى الأمل دائماً في أن تزول هذه الغيمة السوداء التي تمر فوق بلدنا بين فترة وأخرى. فمن يدفع الثمن دائماً هو المواطن الذي يُترك وحيداً في كل الأزمات.