"في إحدى المرات حمل إناء زيت ساخن وحاول صبه عليّ، ومرة أخرى هاجمني بسكين مهدداً بانتزاع عينيّ". بهذه الكلمات حاولت حليمة أن تعبّر لـ"النهار" عما أصابها. وأجهشت بالبكاء.
حليمة اسم مستعار لفتاة عشرينية تزوجت مرغمة نتيجة إلحاح عائلتها في سن السادسة عشرة، وتطلّقت بعد 6 أشهر ثم تزوجت من رجل آخر في الثامنة عشرة، وبدأت قصة عذاب جديدة. انتقت اسمها المستعار لأنها تحلم بغد أفضل.
حليمة
حليمة التي اختارت منظمة "أبعاد" ملجأ لها، روت قصتها الحزينة مع عائلتها التي أرغمتها على الزواج المبكر حين كانت طفلة، ثم تركتها وحيدة في منزل جدها بسبب الحرب، فكان جدها وجدتها وعمتها يعنفونها، إلى أن هربت مع شخص متزوج في بلد آخر آمن، وما إن قضت أسبوعاً معه حتى بدأ يعنفها.
بحسب منظمة الأمم المتحدة، كل 10 دقائق تُقتل امرأة على يد شريك حميم أو أحد أفراد العائلة، وامرأة من كل 3 نساء على مستوى العالم تعرّضت للعنف الجسدي أو الجنسي مرة واحدة على الأقل في حياتها، و58% من الفتيات والنساء الشابات تعرّضن لشكل من أشكال التحرش عبر الإنترنت، و85000 امرأة وفتاة قُتلن العام الماضي (2023)، ونحو 60% منهن قُتلن على يد أزواجهن أو أحد أفراد العائلة.
وقالت حليمة إنها تعرضت للعنف من جدها ووالدها الذي هددها بالقتل بالسلاح ما لم تتزوج في سن الـ16 عاماً، بالإضافة إلى عمها الذي ضربها في إحدى المرات ضرباً مبرحاً، ثم زوجها الثاني، فلجأت إلى مركز إيواء آمن وطارئ وموقت بإدارة منظمة "أبعاد".
"النهار" زارته وأجرت المقابلة مع حليمة وزميلتها زهراء، وجالت في المركز المؤلف من طبقات عدة وغرف نوم وصالونات ومكاتب إدارية مجهزة بأحدث المعدات.
"أبعاد" منظمة مدنية غير حكومية، ورائدة في المنطقة في الدفاع عن المساواة بين الجنسين، وتعمل للحماية من العنف القائم على النوع الاجتماعي.
كل عام يحيي العالم حملة الستة عشر يوماً من النشاط ضد العنف القائم على النوع الاجتماعي، وهي حملة عالمية تمتد من اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة في 25 تشرين الثاني (نوفمبر) إلى يوم حقوق الإنسان في 10 كانون الأول (ديسمبر)، وترفع "أبعاد" هذا العام شعار "اعتداء ما بيغطي الاعتداء"، لمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات.
غيدا عناني
مديرة منظمة "أبعاد" غيدا عناني شرحت لـ"النهار" أن حملة المنظمة تأتي في ظل ما نعيشه من حرب واعتداء وتدمير، "ولكن لا يمكن أن نتغافل عن قضية أساسية ومحورية تمس النساء والفتيات، وعلى تماس مع كلفة الحروب التي تزيد هشاشة حقوق المرأة وتجعلها أكثر عرضة للاستغلال والعنف".
وأشارت إلى أن "الاكتظاظ خلال النزوح وعدم وجود حماية اجتماعية وغيرها من العوامل تضع النساء في وضعيات هشة، ولاسيما التعرض للعنف الأسري والعنف الزوجي والتحرش أو الاستغلال والاعتداء الجنسي بكل أنواعه وأشكاله. ورغم أننا نعيش وسط أكلاف باهظة خلال الحرب، فإن هذا الأمر لا يغطي جرائم فردية تدفع أثمانها النساء".
ووفق الدولة اللبنانية ومنظمات الأمم المتحدة، كان هناك مليون و300 ألف نازح نصفهم من النساء، بينهن 11 ألف امرأة حامل خلال الحرب.
وكشفت أن نساء وفتيات تعرّضن لاعتداءات كثيرة خلال الحرب، رفعت نسبة الجرائم في حقهن حتى وصلت إلى حد القتل، ناهيك عن انهيار منظومة المسائلة، مشددةً على أن التحدي الأساسي للنساء هو الإخبار، لأن من حقهن الحماية من كل أشكال العنف بصورة تحفظ الخصوصية.
زهراء
أما زهراء زميلة حليمة (اسم مستعار اختارته ليكون زهرة أمل في حياتها المقبلة) فهي أربعينية تعرضت للعنف من زوجها وبناته من زوجته الأولى، حتى وصل الامر إلى ضربها بآلات حادة خصوصا خلال حملها الثاني.
وروت لـ"النهار" عن مآسيها إثر العنف الكبير الذي لحق بها، حتى لجأت إلى طلب الطلاق أمام القضاء الذي أوقف جلساته خلال الحرب.
وقالت: "أرغمت على الارتباط بزوجي بعد إلحاح عائلتي لأسباب مادية، فكان يضربني ويمنع عني الطعام ويرغمني على الخروج من المنزل مع أولادي ليصطحب عشيقته. وفي إحدى المرات لاحظ هذا الأمر مالك الشقة التي نقطن فيها، وطردنا بسب سوء أخلاق زوجي، الذي استأجر منزلاً آخر. عندها قررت عدم الخروج منه خوفاً من اصطحاب عشيقته إلى المنزل الجديد، وطُردنا مرة أخرى".
أضافت: "لن أسامح زوجي لأنه دمر حياتي وحياة ولدي (صبي وبنت) وحاول تسميمي مرتين خلال حملي الثاني، وضرب رأسي بحائط المنزل محاولاً قتلي". توقفت قليلاً عن الكلام ثم وجهت رسالة إلى المعنفات: "كل إمرأة تتعرض للعنف من زوجها أو أقربائها، عليها عدم النظر إلى الخلف، واللجوء إلى أماكن أو مراكز أو منظمات تحميها، مثل "أبعاد".