تأمل مديرة الأونروا في لبنان دوروثي كلاوس في حديث لـ"النهار" أن تعيد الولايات المتحدة النظر بقرار حجب التمويل عن وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في آذار/مارس المقبل، مشدّدة على ضرورة السير بنهج الحيادية بغرض دوام استقرار الوكالة الذي بدوره يؤمّن استقرار اللاجئ الفلسطينيّ في بلاد الشتات، لافتة إلى أنّ قرار الكنيست الإسرائيلي وقف عمل الأونروا في القدس لا يؤثّر على عمل الأونروا في لبنان.


في المكتب الإقليميّ للوكالة في بئر حسن في بيروت، حيث يفرض أزيز المسيّرة الإسرائيلية في المحيط واقعاً مستجدّاً، انطلقت كلاوس من التأكيد على مبادئ الوكالة الأربعة بغرض ضمان استمرارية العمل: "الإنسانية والنزاهة والحيادية والاستقلالية" وتصفها بأنّها "مبادئ أساسية لأيّ منظمة إنسانية".

توضح: "كثر الكلام عن تحقيقات أجراها مكتبنا مع أربعة موظفين اتخذ في حقهم إجراء إداري وخضعوا للتحقيق لتجاوزهم خطّ الحيادية الذي نشدّد عليه لضمان استمرار عملنا".

وفي هذا الجانب تؤكّد كلاوس: "يصبح تطبيق هذه المبادئ أكثر أهمية خصوصاً في السياقات السياسية المعقدة، أو في أثناء النزاعات والحروب. هذه المبادئ ضرورية لحماية المساحة التشغيلية اللازمة لتقديم البرامج الإنسانية، وتمكين المنظمات الإنسانية من الوصول إلى جميع السكان المحتاجين. إنّ تطبيق المبادئ الإنسانية بشكل متّسق ومعالجة أيّ قصور في هذا الصدد، أصبح ضرورة بالنسبة إلى الأونروا وذلك لحماية قاعدة مواردها واستمرار قدرتها على تقديم خدمات مشابهة لتلك الخدمات التي تقدّمها الحكومات، إضافة إلى المساعدات الإنسانية، وهو أمر مهمّ بشكل خاصّ في لبنان، حيث يعتمد لاجئو فلسطين بشكل كامل على الوكالة.

في تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، فتحت الأونروا تحقيقاً مع أربعة من موظفيها، بناءً على مزاعم تلقتها الوكالة في شأن انتهاك مدوّنة قواعد السلوك المتعلّقة بالمبادئ الإنسانية التي تلتزم بها الأونروا، وهي المزاعم التي شاعت معلومات عن ارتباطهم بـ"حماس". 

وعلى أثر  ذلك، تمّ وضعهم في إجازة إدارية بينما يجري التحقيق حاليّاً. بذلت الأونروا جهوداً كبيرة ومكثّفة لتوضيح المبادئ الإنسانية لجميع موظفيها وهم على دراية تامة بما هو مسموح به وما هو غير مسموح به. وكجزء من التزام الأونروا بمبادئها الإنسانية والمساءلة، فإنّ التحقيق يصبح أمراً واجباً في خصوص أيّ انتهاك مزعوم للإطار الإنساني (باعتباره جزءاً من مدوّنة السلوك الخاصّة بالتوظيف) عند الإبلاغ عنه".

ووفق "الأونروا"، "يتمّ إجراء هذه التحقيقات من قبل دائرة خدمات الرقابة الداخلية في الرئاسة العامة/عمان. وطوال فترة التحقيق، يتمّ احترام حقوق موظفينا بشكل كامل. أثناء عملية التحقيق، يُمنح الموظفون الفرصة للردّ على الادّعاءات وفقاً للإجراءات القانونية الواجبة. ونظراً للطبيعة السرية للتحقيق، لا تستطيع الوكالة تقديم أيّ تفاصيل إضافية في هذه المرحلة".

وعلى الرغم من الموقف الموجع الذي اتخذته الولايات المتحدة بمنع تمويل الوكالة في آذار/مارس الفائت بعد اتهامها من قبل إسرائيل بتوظيف محسوبين على حركة حماس في مكاتبها في غزة، ويعني ذلك أنّها خسرت ثلث ميزانيتها السنوية، تأمل كلاوس أن تعيد الولايات المتحدة حساباتها في الأشهر المقبلة نظراً للحاجة الماسة لدعم اللاجئ الفلسطيني على مختلف الأصعدة، والأخير تعرّض لظروف صعبة في المخيمات السورية إبّان الحرب، وكذلك الحال في لبنان باندلاع الحرب الأخيرة مع إسرائيل والتي هجّرت الفلسطيني مرة جديدة من مخيماته ومن مدارس الأونروا لتجد المنظّمة أنّها مسؤولة على الرغم من كلّ الضغوط الدولية عليها لإنقاذ أرواح بحاجة للطبابة والتعليم والغذاء.


وعن بدائل التمويل، أشارت كلاوس إلى أنّ العديد من الدول بينها السويد رفعت قيمة الدعم الماليّ السنوي لضمان استمرارية عمل الوكالة.

وأحصت كلاوس وجود نحو 23 ألف لاجئ فلسطيني وفدوا خلال السنوات الأخيرة من سوريا إلى لبنان، وغالبيتهم لا يفكرون بالعودة قريباً نظراً للدمار الذي حلّ بالمخيمات، ولاسيّما في اليرموك.

وحيال الضغط الكبير الذي تقبع الوكالة تحت وطأته، لجهة "عين الدول الكبرى على موظفي الوكالة وانتماءاتهم الحزبية ومدى شفافيتهم"، وكذلك لجهة العبء الاقتصادي كون غالبية اللاجئين تحت خطّ الفقر وليس في إمكانهم الحصول على الغذاء والطبابة من دون دعم الوكالة، ارتأت الأونروا انتهاج خطّة عمل جديدة منذ العام 2023، وتقضي بإدراج البصمة الإلكترونية للتأكّد من أنّ من يحصل على العون والمساعدة الاجتماعية ما يزال موجوداً داخل البلاد. وبذلك تنظّم الحصص ولا تأخذ عائلة من حصّة عائلة أخرى محتاجة.

وعن  برامج الأونروا الحالية: "لقد فتحت الأونروا مدارسها رغم أنّ بعض المدارس لم يكن من الممكن الوصول إليها فوراً بعد اتفاق وقف إطلاق النار بسبب الأضرار التي لحقت بها. ومع ذلك، فقد حرصنا على استيعاب جميع طلاب المدارس المتضررة في المدارس القريبة من أماكن سكنهم باعتماد نظام الفترتين، ونحن فخورون بقدرتنا على مواصلة تقديم الخدمات التعليمية. كما تأثّر مجتمع لاجئي فلسطين اقتصاديّاً بشدّة مثل السكان الآخرين هنا في لبنان. ستقوم الأونروا بتوزيع مساعدات غذائية لجميع لاجئي فلسطين في لبنان بدءاً من نهاية شهر شباط/فبراير وخلال شهر آذار/مارس".

وفي الجانب الايجابي، تلفت كلاوس إلى أنّ نحو 93 في المئة من الفلسطينيين المسجّلين في الأونروا يحرصون على تعليم أولادهم، ومع ذلك تقول لـ"النهار": "في حال خيّرنا أمام الضغط المالي، ستكون الأولوية بالطبع للطبابة ولاسيّما أنّ هناك المئات من مرضى السرطان وخفض ميزانية الطبابة يعني أنّ هناك مرضى سيخسرون حياتهم".


وعن احتمال تأثر "الأونروا" بعد تسلّم الرئيس الأميركي دونالد ترامب مقاليد الحكم في البيت الأبيض، تعلّق: "لا مخاوف لأنّ الدعم الأميركي أصلاً توقّف قبل نحو عام والوكالة تسير أمورها حالياً قدر الإمكان إلى حين عودة الأمور إلى نصابها".

وفي هذا السياق، توجّه كلاوس رسالة إلى العهد الجديد في لبنان، ولاسيّما رئاسة الحكومة لمدّ يد العون للوكالة بما يسمح باستمراريتها و"كلّنا أمل في إستراتيجية محلية للتعاون مع الشركاء في الآتي من أيام".