هل يمكن محاسبة "فئة محظية" حوّلت أموالها إلى الخارج؟ عقوبة للمتدخل والفاعل ولا إعلان قضائياً للتوقف عن الدفع

هل من منعطف جديد بالنسبة إلى أموال المودعين يمكن أن يبدأ بالتظهرّ في المرحلة المقبلة، ولاسيما لمحاسبة الفئة التي استفادت من "حظوة" سياسية – مصرفية فحوّلت أموالها إلى الخارج، فيما كان القسم الأكبر من اللبنانيين يعاني حجزا لمدخراته؟
تنقسم المسألة إلى شقين، الأول متعلق بمسؤولية المصارف، والثاني
بمسؤولية المودع نفسه.
بعد 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019، بادرت المصارف في فترة الإقفال إلى القيام بتحويلات إلى الخارج، بناءً على طلب محظيين من عملائها، وبصورة انتقائية، وبالنسبة إلى الكثيرين منهم، بمبالغ مالية مرتفعة من أصل ودائعهم، أو حتى بقيمتها الدفترية الكاملة. وهذا ما تسبّب بتقلّص حجم السيولة المتبقية في المصارف والمعدّة لتلبية حقوق جميع المودعين لديها.
تشرح الدكتورة جوديت التيني أن "كل المصارف العاملة في لبنان وقعت في حالة شح حادّ في سيولتها، وكان هذا معلوماً من جميع العملاء، بحيث أنّ السيولة المتبقية باتت معدة لتوزع على جميع العملاء بالتساوي، وفق تعاميم مصرف لبنان التي كانت تحدد سقف السحوبات النقدية. لذلك يمكن اعتبار المصارف في وضعية المتوقفة عن الدفع بالمفهوم الواقعي وليس بالمفهوم القانوني أو القضائي، لأنه لم يصدر حكم قضائي عن محكمة الإفلاس يعلن توقفها عن الدفع".
حبس وغرامة
انطلاقاً من واقع توقف المصارف عن الدفع، كان عليها، بصفتها مدينة تجاه مودعيها، ألا تقدم على إيفاء البعض على نحو يضرّ بكتلة سائر مودعيها، الدائنين لها أيضاً، وذلك استناداً إلى ما نصت عليه المادة 690 من قانون العقوبات.
تعلق التيني: "تنص هذه المادة على أن "يعتبر مفلساً مقصراً ويعاقب بالحبس كل تاجر متوقف عن الدفع إذا أقدم بعد التوقف عن الدفع على إيفاء دائن أضراراً بكتلة الدائنين". والمادة 699 من القانون نفسه تنص على أن "المدين الذي يقوم بقصد إضاعة حقوق الدائنين على أنقاص أمواله بأي شكلٍ كان ولا سيما بالإقرار كذباً بوجود موجب أو بإيفائه كله أو بعضه أو بكتم بعض أمواله أو تهريبها، يُعاقب بالحبس مع الشغل، وبغرامة".
هل معنى ذلك أن عقوبة المتدخل هي نفسها عقوبة الفاعل؟
تجيب: "نعم، ويُستنتج من المادتين أنّ إقدام المصرف على تحويل أموال عميله المحظي إلى الخارج خلافاً لتعميم مصرف لبنان، منتقصاً بذلك من حجم السيولة لديه وعلى نحو أضرّ بحقوق سائر المودعين الدائنين لديه، يشكل الجرم المنصوص عليه في المادة 699 من قانون العقوبات، باعتبار أنه لا يمكن تطبيق المادة 690 لكونه لم يعلن قضائياً توقف المصرف المذكور عن الدفع".
هذا بالنسبة إلى مسؤولية المصارف. ولكن ماذا عن المودع الذي استفاد من تحويل أمواله إلى الخارج؟ أيّ محاسبة يمكن أن تطبق عليه؟
تنطلق التيني من "القانون الرقم 23 تاريخ 14 آب/أغسطس 2025 المتعلق بإصلاح وضع المصارف في لبنان وإعادة تنظيمها، إذ أتت المادة 16 منه في المنحى نفسه، وقد نصت على أنه "يعود للغرفة الثانية من الهيئة المصرفية العليا فرض استرجاع أي أموال تم تحويلها في شكل تمييزي أو غير عادل، مما أضرّ بحقوق مودعين أو دائنين آخرين لم يتمكنوا من إجراء تحويلات مماثلة".
وتتدارك: "العميل الذي تم تحويل أمواله إلى الخارج مع علمه اليقين والشائع بالأزمة المالية المعممة وبوجود قيود من مصرف لبنان على السحوبات، وعلمه بوضعية الشح في السيولة الواقع فيها المصرف وعدم تمكنه من إيفاء جميع مودعيه وإلحاق الضرر بهم، يكون متدخلاً في الجرم الذي اقترفه المصرف، وفقاً للمادة 219 وما يليها من قانون العقوبات".