الشّيباني في بيروت على رأس وفد سوري... وتعليق عمل المجلس الأعلى اللبناني السّوري

في أول زيارة لمسؤول سوري للبنان منذ سقوط نظام الأسد، وصل وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى مطار رفيق الحريري الدولي - بيروت، ظهر اليوم، على رأس وفد ضم وزير العدل مظهر اللويس، رئيس جهاز الاستخبارات السورية حسن السلامة، مساعد وزير الداخلية اللواء عبد القادر طحان ووفداً سياسياً.
واستهلّ الشيباني لقاءاته الديبلوماسية من وزارة الخارجية والمغتربين، حيث عقد لقاءً ثنائياً مع نظيره اللبناني يوسف رجّي، قبل مباحثات موسّعة يعقدها الجانبان مع الوفدَين اللبناني والسوري.
بعد اللقاء، عُقد مؤتمر صحافي مشترك بين الوزيرين، ابتدأه الوزير رجي بالترحيب الحار بالوزير الشيباني، معتبراً أن "هذه الزيارة التاريخية للبنان تعد بداية صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، بعد سقوط النظام السابق الذي عانى منه الشعبان السوري واللبناني طويلاً"، لافتاً إلى أن "هذه الزيارة تأخرت لأسباب تقنية ولوجستية، لكنها اليوم تأتي في توقيت مناسب، ونتطلع لأن تكون فاتحة خير على البلدين".
وقال رجي: "اتفقنا على تشكيل لجان مشتركة لمعالجة الملفات العالقة، وهناك نية صادقة والتزام واضح من الجانبين بالسير في اتجاه تعاون حقيقي. وما يميز هذه المرحلة هو احترام الإدارة السورية الجديدة للسيادة اللبنانية واستقلاله، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، وهو تطور مهم وإيجابي جداً يُقابل بترحيب واسع من اللبنانيين".
وختم قائلاً: "سنعمل معاً على فتح مسار جديد قائم على السلم والأمان والتعاون الاقتصادي والتنمية المشتركة بما يخدم مصلحة الشعبين".
من جهته، اعتبر الوزير الشيباني أن "هذه الزيارة للبنان تعد محطة تاريخية أيضاً لسوريا، التي تدخل اليوم بعد عشرة أشهر على سقوط النظام السابق مرحلة جديدة من التعافي وإعادة الإعمار"، مضيفاً: "إحدى أهم ركائز هذه المرحلة هي بناء علاقات سياسية متوازنة قائمة على الاحترام المتبادل، وسيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها".
وأوضح الشيباني: "نحن في سوريا نعتمد هذا النهج بوضوح، وزيارتنا للبنان تعبر عن هذا التوجه الجديد. نحن نكنّ للبنان كل الاحترام والتقدير، ونسعى إلى تجاوز أخطاء الماضي التي كنا نحن أيضاً من ضحاياها نتيجة سوء إدارة العلاقة بين البلدين".
وأضاف: "هناك فرصة تاريخية وسياسية واقتصادية اليوم لتحويل العلاقة بين لبنان وسوريا من علاقة أمنية متوترة إلى علاقة سياسية واقتصادية متينة تعود بالنفع على شعبينا. نحن بلدان متجاوران، وتفرض علينا الجغرافيا والتاريخ العمل معاً من أجل مصلحة مواطنينا، بعيداً من الاستثمار في الأزمات والمشكلات".
وختم الشيباني قائلاً: "هذه الزيارة جاءت بتوجيه من فخامة الرئيس السوري أحمد الشرع، تأكيداً لعمق العلاقات بين البلدين. كما نعرب عن شكرنا للبنان شعباً وحكومة على استضافتهم للسوريين خلال السنوات الماضية برغم التحديات الاقتصادية الداخلية. ونأمل أن يتم التوصل إلى حلول إنسانية لهذا الملف، تُبنى على مشاعر الأخوة والصداقة التي يحملها الشعب السوري تجاه لبنان".
وفي ختام اللقاء، رحب الوزير رجي بتعليق عمل المجلس الأعلى اللبناني-السوري، وقال: "نزف بشرى إلى الشعب اللبناني بأن الحكومة السورية قررت تعليق العمل في المجلس الأعلى اللبناني-السوري، وخلال فترة قريبة سنعمل على إزالته نهائياً من القانون، لتصبح العلاقات بين البلدين قائمة على القنوات الديبلوماسية المباشرة، كأي علاقتين طبيعيتين بين دولتين مستقلتين".
بعبدا
ومن ثم انتقل الشيباني والوفد المرافق إلى قصر بعبدا حيث التقى الرئيس عون، وقال: " وجهنا دعوة إلى الرئيس جوزيف عون لزيارة سوريا".
من جهته، أكد الرئيس عون أهمية تعميق العلاقات الثنائية بين لبنان وسوريا وتطويرها عبر تأليف لجان مشتركة تبحث في كل الملفات العالقة، وأبرزها الاتفاقيات المعقودة بين البلدين والتي تحتاج إلى إعادة دراسة وتقييم.
وأشار عون إلى أن القرار السوري بتعليق العمل في المجلس الأعلى اللبناني-السوري يستوجب تفعيل العلاقات الديبلوماسية، لافتاً إلى أنه يُنتظر في هذا الإطار تعيين سفير سوري جديد في لبنان لمتابعة كل المسائل عبر السفارتين في دمشق وبيروت.
وأضاف: "أمامنا طريق طويل، ومتى صفت النيات، فإن مصلحة بلدينا الشقيقين تسمو على كل الاعتبارات، وليس لدينا خيار سوى الاتفاق على ما يضمن هذه المصلحة".
ولفت إلى أن الوضع على الحدود اللبنانية-السورية أصبح أفضل من السابق، مؤكداً أن المسائل التي تستوجب المعالجة كما اتفق عليها مع الرئيس أحمد الشرع خلال لقاءين سابقين في القاهرة والدوحة تشمل الحدود البرية والبحرية، خط الغاز، ومسألة الموقوفين، مشدداً على أن العمل سيُبنى على المصلحة المشتركة.
ولفت إلى أن المنطقة شهدت حروباً وهدراً للمقدرات التي ينبغي استثمارها حتى تعيش شعوبها بكرامة بعد ما دفعته من عذاب وعدم استقرار.
وختم الرئيس عون مؤكداً أنه أبلغ الوزير الشيباني تحياته إلى الرئيس الشرع، مجدداً الدعوة له لزيارة لبنان.
السرايا
وعقد في السرايا الحكومية، اجتماع بين رئيس مجلس الوزراء الدكتور نواف سلام ونائب رئيس مجلس الوزراء الدكتور طارق متري ووزيري الخارجية والمغتربين يوسف رجي والعدل عادل نصّار، مع وزير الخارجية والمغتربين في الجمهورية العربية السورية أسعد حسن الشيباني ووزير العدل الدكتور مظهر الويس والوفد المرافق.
وتناول اللقاء الذي جرى في أجواء إيجابية وبنّاءة، مختلف جوانب العلاقات الثنائية بين لبنان وسوريا، حيث تمّ التأكيد على الرغبة المشتركة في فتح صفحة جديدة قائمة على الاحترام المتبادل، وحسن الجوار، وصون سيادة كل من البلدين واستقلال قرارهما الوطني.
وشكل الاجتماع مناسبة للتداول في عدد من الملفات المشتركة، من بينها ضبط الحدود والمعابر ومنع التهريب، وتسهيل العودة الآمنة والكريمة للاجئين السوريين بالتنسيق مع الأمم المتحدة والدول الصديقة، إضافة إلى ملف الموقوفين السوريين في لبنان والمفقودين اللبنانيين في سوريا.
كما تم التطرق إلى إعادة النظر في الاتفاقيات الثنائية بما يعزز المصلحة المتبادلة ويواكب المتغيرات، وإلى إمكانيات تعزيز التعاون الاقتصادي وإعادة الإعمار في سوريا بما يتيح للبنان المساهمة في هذا المسار من خلال خبراته وقدراته.
وأكد الرئيس سلام خلال اللقاء، أن "لبنان حريص على بناء علاقات سليمة ومتوازنة مع سوريا، على قاعدة التعاون بين دولتين مستقلتين تربطهما الجغرافيا والتاريخ"، مشددا على أن "الانفتاح والحوار الصادق هما الطريق الوحيد لترسيخ الاستقرار في البلدين والمنطقة".
من جهته، أعرب الوفد السوري عن تقديره لـ"جهود الحكومة اللبنانية ورغبتها الصادقة في تطوير العلاقات الثنائية"، مؤكدا "استعداد دمشق لمواصلة التنسيق والعمل المشترك في مختلف المجالات بما يخدم المصلحة العامة للبلدين".
متري
بعد الاجتماع، قال نائب رئيس الحكومة: "بحثنا اليوم في العلاقات اللبنانية – السورية، وعقدنا العزم معا على ان نعالج كل المسائل بروح طيبة وبسرعة، فالإرادة السياسية عند الاخوة السوريين وعندنا نحن في لبنان هي لمعالجة كل القضايا، من غير محرمات ومن دون الوقوع في منطق المقايضة، نحن اخوة وأصدقاء وجيران وقد فتحنا صفحة جديدة في العلاقات اللبنانية - السورية لم يشهدها التاريخ الحديث، أي خلال الخمسين سنة الماضية، وقد سعدنا بهذا اللقاء ويأتي ليتوج سلسلة من الاتصالات والاجتماعات التي عقدت في بيروت ويفتح الباب أمام لقاءات اخرى على كل المستويات بما فيها المستويات الوزارية".
الشيباني
من ناحيته، قال الشيباني: "نحن سعداء جدا بوجودنا في الدولة الجارة لبنان، وكما تفضل دولة الرئيس، لقد فتحنا اليوم صفحة جديدة ومشرقة في العلاقات بين سوريا ولبنان علاقة قائمة على الاحترام المتبادل والتعاون والمستقبل المشترك، وهناك فرص كبيرة جدا في منطقتنا وفي سوريا ولبنان وعلى كافة الصعد الاقتصادية والاستثمارية. وأكدنا اليوم في حديثنا مع فخامة الرئيس، وكذلك مع دولة الرئيس نواف سلام ومع معالي وزير الخارجية، على مختلف المواضيع التي تحتاج إلى نقاش معمّق وإلى لجان تقنية، بما يدفع في عجلة علاقات هادئة ومستقرة، وتفتح المجال أمام شراكات استراتيجية، وهذه القضايا تهم الجانب اللبناني والجانب السوري على حد سواء، ومن ابرز هذه القضايا ما يتعلق بإعادة تسريع قضية الموقوفين السوريين في سجن رومية، وقد أحرزنا اليوم تقدما كبيرا جدا في هذا الملف، وخلال الفترة المقبلة ستكون هناك نتائج ملموسة".
أضاف: "كما تكلمنا عن برنامج اعادة اللاجئين عودة كريمة الى ديارهم وبلدهم، وعن ضرورة ضبط الحدود بين البلدين، بما يعزز الأمن والاستقرار، ومن خلال اجتماعات تقنية بين السيد معاون وزير الداخلية والسيد رئيس الاستخبارات السورية في البلدين، ونظرائهم اللبنانيين، وأكدنا على تعزيز التنسيق الأمني والاستخباراتي المشترك بين البلدين. كذلك تطرقنا إلى سبل عقد لجان تقنية واقتصادية بين البلدين في مجالات الاقتصاد والاستثمار في القطاعين الخاص والعام" .
وتابع: "نؤكد أن هذه الزيارة هي زيارة تاريخية ومهمة جدا لكلا الطرفين، وأن شكل العلاقة اليوم بين سوريا ولبنان سينتقل من العلاقة التي كانت في السابق في عهد النظام البائد إلى علاقة مبنية على الاحترام بين الأشقاء والاخوة".
وتزامناً مع وصول وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى بيروت اليوم، تبلّغت وزارة الخارجيّة اللبنانيّة، عبر السفارة السوريّة في لبنان، قرار تعليق عمل المجلس الأعلى اللبناني السوري وحصر كل أنواع المراسلات بين البلدين بالطرق الرسميّة الديبلوماسيّة.
وكان في استقبال الشيباني على أرض مطار بيروت مديرة المراسم في وزارة الخارجية اللبنانية السفيرة رلى نور الدين والقنصل رودريغ خوري من وزارة الخارجية اللبنانية والقائم بأعمال السفارة السورية في لبنان علي دغمان.
ونقل "تلفزيون سوريا" عن مصدر مطّلع أنّ ترسيم الحدود مع لبنان وقضية السجناء السوريين في سجن رومية سيتصدّران جدول زيارة وزير الخارجية السوري لبيروت.
يشار إلى أنّ هذه الزيارة هي الأولى للبنان منذ سقوط نظام بشار الأسد وبدء الحكم الانتقالي برئاسة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع.