استعراض قوّة يُعوّم "الحزب" وسلام ويُسقط الدولة

25 أيلول 2025، يوم حزين. الحزن الكبير ليس على بيئة "حزب الله"، بل على الدولة اللبنانية. جمهور "الحزب" بقياداته وناسه نزلوا إلى الروشة، ملتزمين تعليمات القيادة، لكننا لم نر حزناً على وجوههم بل علامات التحدي والتبجّح والثقة المفرطة بالسيطرة، وفي طليعتهم وفيق صفا، فيما قلّة من النساء بدت حزينة وبكت على غياب السيّد. في المقابل، كان اللبنانيون ينعون ثقتهم بدولتهم وجيشهم وقواهم الأمنية.
في القراءة السياسية لما حصل على صخرة الروشة كانت إضاءة متميزة لعودة "حزب الله" إلى قوته "على الداخل" وليس إليه.
* استطاع أن يقرّش مناسبة الذكرى السنوية الأولى لاغتيال السيد نصرالله للتأكيد على أنه لا يزال يملك القدرة على مواجهة قرارات الدولة بجرأة تتخطى الخطوط الحمر.
* استعراض قوة، نبّه الدولة من خلاله، من التمادي في أي قرارات تمس بما يعتبره أمراً مقدساً، أي السلاح.
* أفهم من يعنيهم الأمر في الداخل والخارج أنّ المعادلة التي يمكن إرساؤها في جنوب الليطاني لا تسير في شماله، وأن الهزيمة العسكرية لا تقابلها هزيمة سياسية، وأن أي معادلات داخلية لا ترسو أماناً من دونه.
* استطاع شدّ عصب "البيئة الحاضنة"، فحَشَد أنصاره في الساحات في مبادرة أرادها استقصاء له من جهة، ورسالة أراد أن تُفهم كاستفتاء لأي استحقاقات مقبلة.
* أفهم خصومه عدم المراهنة على استغلال ضعفه العسكري "الآني" لإحداث خروق سياسية داخل صفوفه السياسية والنيابية.
الانعكاسات السلبية التي رتّبها الحدث مزدوجة، منها داخلي ومنها خارجي.
* قد تكون قيادة الجيش ارتأت عدم الدخول في مواجهة مع الناس على الأرض وعدم إعطاء حدث إضاءة الصورة الحجم الكبير الذي اتخذته، لكنّ شكر وفيق صفا للجيش وللقوى الأمنية أوحى كأنّ تفاهماً غير معلن حصل تحت الأضواء.
* بعيداً من إدانة أي موقف اتخذه الجيش أو القوى الأمنية الأخرى، فإنّ عدم التزام القرار السياسي لرئيس الحكومة نواف سلام أظهر كأن هناك تمرداً على القرار السياسي للسلطة السياسية اللبنانية.
* أظهر الأداء كأن هناك انقساماً بين السلطة السياسية والسلطة العسكرية، مما قد يخلق إرباكاً أو عدم ثقة بأي تقارير مفترض ان يقدمها الجيش إلى مجلس الوزراء في ما خص قرار حصر السلاح.
* قد يكون ما حصل أشار إلى وجود ثغرات كبيرة داخل البنى العسكرية والأمنية وضمن سلسلة التراتبية العسكرية.
* ما حصل أظهر أن نواف سلام يواجه وحيداً، متروكاً من أي سندّ أو دعم من السلطتين الأولى والثانية، ولو ان هذا الأمر لا يضرّ الرئيس سلام، بل يرفع رصيده داخل البيئة السنيّة خصوصاً واللبنانية عموماً. مما يجعله الرهان الأقوى للقوى الداخلية المناوئة لـ"حزب الله"، وتلك الإقليمية والدولية.
خارجياً، الصورة عكست سقوط هيبة الدولة وعدم قدرة على التزام أي تفاهمات، مما يعطي الحجة ويتيحها لإسرائيل، متى أرادت استغلال هذا الأمر دولياً لتقلّم ما تبقى من أظافر "حزب الله" على كل الأرض اللبنانية من دون رادع.
ويسأل سائل عن رمزية المكان؟ ومن هو العقل "الحزبي" الذي اختار مكان الروشة وليس ضريح السيّد نصرالله؟ وكيف هُربّت وسائل الإضاءة إلى الروشة وتم تثبيتها؟ ولماذا يّصر رئيس الحكومة نواف سلام على محاسبة الفاعلين؟ ومن هم الفاعلون؟
نجح "حزب الله" في تمرّده وسقطت الدولة في فرض شرعيتها. ما حصل على الروشة، تحركات استفزازية لاشك، ضد الشرعية، ضد لبنان، ضد البيروتيين، وأسقط الدولة في الامتحان الصعب. ويمكن أن يكون سبباً لفقدان ثقة المجتمع الدولي بها والمجتمع المحلي أيضاً.
سلوك يناقض مفهوم المواطنة، لا يحترم النظام، ويهدّد بتبديد الثقة بالأجهزة الأمنية والعسكرية. سلوك يكرّس كلام الموفد الأميركي توم برّاك، أن ما تفعله الدولة كلام بكلام، والأهم أنه يؤكد كلام رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف، أن "حزب الله" لايزال حيوياً، واذا صحّ كلامه عن ألا طرق تمنع وصول الصواريخ للحزب، فهذا يعني أننا قد نكون أمام أخطار جدية مستقبلاً.
في الختام، أوردت صديقتي على حسابها على "فايسبوك" ذكريات أليمة من الماضي، ربما تُظهر الفرق بين مفهومين متناقضين سياسياً وعسكرياً حيال الدولة، إذ كتبت:
"في مشهد لما كنت طفلة ما بيروح من بالي لما داهم الجيش بيتنا وأخد بيّ على وزارة الدفاع. لما سألت إمي شو التهمة هالمرة؟ (لأن كانوا يزورونا كثير) قالولها "حاطين صورة سمير جعجع بالبيت". بوقتها كانت الدولة المحتلة قوية حتى بالأملاك الخاصة. ما حدا يفكر الدولة اليوم تحررت بعدها محتلة بس المحتل تغيّر". والسلام.