"مرونة" الحزب وسط تحديات الملفات الكبرى

ثلاثة ملفات تكتسب أهمية محورية في الأسبوع الطالع انطلاقاً من مقر الأمم المتحدة في نيويورك على نحو يعطي المنصة الأممية التي ضعفت قدراتها في الأعوام الأخيرة وخفت وهجهاً زخماً جديداً.
الملف الأول يتصل بالقمة التي ستعقد غداً في 22 أيلول 2025، في إطار دعم الجهود لإنهاء الحرب في غزة وتحقيق السلام، وصولاً لإقامة الدولة الفلسطينية، والتي ستتوج بإعلانات مهمة جديدة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية من جانب دول امتنعت عن ذلك حتى الآن. وهذا سبب لتوتّر في العلاقات ليس بين اسرائيل والدول المعنية التي تتجه في هذا المسار والذي تترجمه حكومة بنيامين نتنياهو في ممارسات احتلالية توسعية في الأراضي المحتلة لمنع ذلك، بل في توتّر بعضه ضمني وبعضه الآخر علني بين الدول المعنية والولايات المتحدة الأميركية الداعمة لإسرائيل والرافضة بقوة لحل الدولتين فيما يتردد أن هذا التوتر تحديداً هو أحد الاسباب التي حالت دون مشاركة مباشرة لولي العهد السعودي في هذا الحدث في نيويورك على رغم أن المملكة تترأسه مع فرنسا. وهو تّوتر فاقمه الاعتداء الاسرائيلي على قطر أخيراً والرسالة الذي حملها إزاء عدم ردع الولايات المتحدة إسرائيل عن الاعتداء على حلفائها في المنطقة.
الملف الثاني الذي يتوقّع أن يكون له تداعياته يتصل بما سيحصل على الملف السوري من حيث الرسائل التي سيحملها الرئيس السوري أحمد الشرع الى نيويورك والاحتمالات المتوقعة على ضوء الدفع الأميركي لاتفاق أمني واتفاقات أخرى بين سوريا وإسرائيل، والذي يتوقع أن يتمّ الدفع بها للتغطية على حدث الاعترافات الدولية بحل الدولتين.
والملف الثالث يتعلّق بمآل المحاولات والاقتراحات الإيرانية من أجل منع إعادة فرض العقوبات الدولية عليها وإذا كانت ستجري تعديلات أو تنازلات إضافية حول التزامات ذات معنى فيما يتعلق ببرنامجها النووي وتعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. إذ إن إيران قدمت اقتراحاً جديداً للولايات المتحدة في موازاة سباقها مع الوقت في مهلة مفتوحة حتى أواخر الأسبوع الحالي في 27 أيلول قبل إعادة سريان العقوبات عليها مجدداً.
ولم يقرأ مراقبون عنوان "المرونة" الذي ذهب إليه "حزب الله" أخيراً بالدعوة الى حوار بينه وبين المملكة العربية السعودية سوى في إطار مفاعيل زيارة الأمين العام للمجلس القومي الإيراني علي لاريجاني الى الرياض في 16 الجاري وإظهار مواكبة من الحزب للتحول الإيراني وعدم تحميل الأمور أكثر مما تحتمل لأن مضمون "المرونة" المفترضة ينسفها في الواقع. في حين ذهب آخرون الى قراءة الاستعدادات "الإيجابية" التي تحاول أن تظهرها إيران في إطار بيع أوراق للمملكة ولو أن ورقة انفتاح الحزب على هذه الأخيرة هي ورقة هالكة في رأي هؤلاء، لأنها فاقدة للأهمية والمضمون في هذا التوقيت بعدما باتت الدولة اللبنانية صاحبة القرار، علماً أن الهدف الإيراني قد يكون الاستعداد لبيع ورقة "المرونة" والتعاون من الحزب الى الولايات المتحدة الأميركية.
ففي ظل اعتبار الحزب دوماً أن المملكة السعودية تتحكم بها الولايات المتحدة، فإن مرونته هي بمثابة تقديم أوراق اعتماد لدى الأخيرة، وذلك فيما يصعب على إيران الذهاب مباشرة في هذا الاتجاه وتحاول أن تلعب البلياردو في هذا الإطار، إنما من دون اهمال الحاجة الى تفعيل الاحتضان الاقليمي في ظل احتدام الكباش مع الدول الغربية.
ثمة تريث سياسي كبير وعدم استعجال في قراءة المؤشرات الداخلية الأخيرة في لبنان المتصلة بالتصعيد الاسرائيلي المستمر من جهة على رغم الانخراط الأميركي في رعاية اجتماعات لبنانية اسرائيلية امنية في الناقورة، و"المرونة" المستجدة الطارئة من جانب الحزب لا سيما على خلفية تفاعل الملفات الإقليمية المذكورة دولياً من جهة أخرى. ولكن هذا لا يمنع من قراءة مبدئية أو أولية للمراقبين المعنيين في اتجاه اعتبار أن العنوان الكبير للتطورات المحلية الأخيرة، يتم اختصاره في مؤشرات إظهار النية لبدء النزول التدريجي البطيء عن الشجرة ومحاولة مقايضة ذلك حتى تحت مظهر التحاور من موقع "القوة" والتعامل بمثابة الند مع دولة إقليمية كبيرة تأكيداً لموقع "القوة" الذي لم يعد قائماً عملانياً وفعلياً وتعمية عن التنازلات المحتملة، إنما من دون التنازل للدولة اللبنانية أو لمصلحتها في الوقت نفسه، بل السعي الى مقايضة الخارج بالانتخابات والاستقرار الداخلي.
rosannabm @hotmail.com