بري يدعو الى استكمال تنفيذ اتفاق الطائف... المحافظة دائرة انتخابية لكن من يرسم حدودها؟
أوقف اتفاق الطائف بإقراره سنة 1989 الحرب اللبنانية، لكنّه نُقّح ليشكّل أكثر من مظلّة آمنة. اعتنت بنود الطائف دستورياً بالبحث عن سبل إحياء شرايين الترابط بين المناطق اللبنانية ومقوّمات التآزر بين أبناء الوطن الواحد. ويتّضح من التعمّق في بنوده أنه أقرّ ليكون منظّماً لحياة المواطنين فوق التضاريس اللبنانيّة وموطّداً تجذّر التربة الوطنية المتماسكة.
ولقد تضمّنت وثيقة الوفاق الوطنيّ بنوداً وافية ترتيبيّة للتضامن المناطقيّ في كنف دولة الـ10452 كلم2، لكنّ غالبيتها لم تنفّذ رغم انقضاء عقود زمنية على إقرارها.
لا يزال تطبيق الطائف ضمن أهداف الحكومة اللبنانية عام 2025، على تخوم فترة تحضيرية للانتخابات النيابية في ربيع 2026. إذا قرّرت الدولة نفض غبار التعطيل ووضع نموذج اتفاق الطائف انتخابياً على الطاولة، فكيف ينجز ذلك النموذج؟
نُقّح في الإصلاحات السياسية التي أقرّها الاتفاق على مستوى مجلس النواب أنّ "الدائرة الانتخابية هي المحافظة". ولعلّ ما يفسّر ما أقرّته وثيقة الوفاق الوطنيّ في كيفية خوض الانتخابات النيابية تحت عنوان "الإصلاحات الأخرى"، إنّها أكّدت أهمية حصول الانتخابات "وفقاً لقانون انتخاب جديد على أساس المحافظة يراعي القواعد التي تضمن العيش المشترك بين اللبنانيين ويؤمّن صحّة التمثيل السياسي لشتّى فئات الشعب وأجياله وفاعلية ذلك التمثيل بعد إعادة النظر في التقسيم الإداري في إطار وحدة الأرض والشعب والمؤسسات".
وإذ اهتمّ اتفاق الطائف بطلب إعادة النظر في التقسيم الإداري على المستوى المركزيّ، فقد نصّ كذلك على إقرار اللامركزية الإدارية ضمن الإصلاحات وإعادة النظر في التقسيم الإداري على المستوى اللامركزيّ أيضاً. ومن البنود التي أقرّها "توسيع صلاحيات المحافظين والقائمقامين وتمثيل جميع إدارات الدولة في المناطق الإدارية على أعلى مستوى ممكن، تسهيلاً لخدمة المواطنين وتلبية لحاجاتهم محليّاً"، و"اعتماد اللامركزية الإدارية الموسعة على مستوى الوحدات الإدارية الصغرى (القضاء وما دون) من طريق انتخاب مجلس لكلّ قضاء".
الوزير السابق خالد قباني تابع عن كثب فترة الاجتماعات وصولاً إلى إقرار الطائف، وكان حينذاك مستشار الرئيس حسين الحسيني وعضو لجنة مناقشة مشروع اتفاق الطائف، وشارك في وضع الاتفاق وكُلّف وضع مشروع القانون الدستوري لتعديل الدستور والأخذ ببنود الطائف.
يجيب قباني عن أسئلة "النهار"، بدءاً من قوله إن "الطائف لم يتطرّق إلى توسيع عدد المحافظات لكنّه توقّف عند نقطتين مهمتين في التنظيم الإداري: إعادة النظر في المحافظات بما يضمن الانصهار الوطني، حيث كان همّ الطائف التركيز على وحدة الدولة اللبنانية ومركزيتها وقوة السلطة المركزية، بالإضافة إلى اللامركزية الإدارية الموسّعة على مستوى القضاء وما دون، والتي تُعتبر نقطة جوهرية في الاتفاق".
ويفسّر قباني أن "الطائف رفع مستوى اللامركزية الإدارية، على أن يخرج من مستوى البلدية إلى القضاء. وتبقى المحافظات جزءاً من التقسيمات الادارية للسلطة المركزية وتابعة للسلطة المركزية إدارياً، بينما تطبّق اللامركزية الإدارية على مستوى الأقضية وتصبح ضمن انتخاب مجالس للأقضية تتمتع باستقلال مالي وإداري، لكن النص لم يطبّق".
في ترتيب المحافظات جغرافياً، يقول قباني: "لا إمكان للقيام بتقسيمات ذات طابع هندسي. تاريخياً، هناك محافظات تاريخية خمس في لبنان لها وجود تاريخي واجتماعي واضح ولها معالمها الاجتماعية والسياسية. مع الوقت، استحدثت محافظات ثلاث هي النبطية وعكار وبعلبك الهرمل. ثم استحدثت محافظة كسروان، ولكن لم تصدر المراسيم التطبيقية في تلك المحافظة، ولم يطبّق قانونها حتى الآن".
ينوّه قباني بقرار الطائف الدائرة الانتخابية هي المحافظة، "حتى لا يكون الخيار الانتخابي مرتكزاً على القضاء وحتى يؤمّن الانسجام السكاني ضمن الدائرة الانتخابية ليقترب المواطنون وتشارك كلّ الطوائف في انتخاب النواب، ولا يكون انتخابهم مقتصراً على طائفة داخل الأقضية. البند لم يطبّق إنما شكّل القضاء دائرة انتخابية، فيما كان مهما اعتماد المحافظة دائرة انتخابية لتخفيف الحدّة الطائفية والتعصّب".
وفق استنتاجه، "لا مشكلة في إعادة النظر في التقسيم الإداري، لكن الطائف اشترط الحفاظ على تقارب اللبنانيين مع مركزية السلطة وقوتها ووحدة الدولة والعيش المشترك الذي يشكل جوهر بناء الدولة اللبنانية".
الوزير السابق طلال المرعبي كان من النواب الذين شاركوا في محادثات مدينة الطائف في المملكة العربية السعودية سنة 1989. ويقول المرعبي لـ"النهار" إنّ "الهدف من الانتخابات على أساس المحافظات، الانصهار السكانيّ بين مختلف الطوائف، على أن يعاد النظر في المحافظات. ولكن لم يحكَ في التوجّه إلى إقرار قانون انتخابيّ نسبيّ، إنما اعتماد قانون انتخابي أكثريّ. وعقدت مشاورات طرحت تغيير التقسيم الجغرافي للمحافظات اللبنانية، على أن تستحدث محافظات فيها وحدة وطنية بين الطوائف".
ويذكّر المرعبي بأنّ "الطائف نصّ على المحافظة دائرة انتخابية. لم يطبّق بند الطائف حينذاك، ثم استحدثت محافظات جديدة في السنوات الماضية". ويشجب "القانون الانتخابي الحالي الذي لا يتطابق مع روح الطائف. والمحافظات المستحدثة لم تراعِ الطائف وهدف تخفيف الخطاب الطائفي وتوطيد الوحدة الوطنية".
نبض