خطاب قاسم: إقفال باب الحلول؟

رفع الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم في خطابه الأخير السقف السياسي وأعاد التفاوض حول السلاح إلى النقطة الصفر.
واجه قاسم مقولة "المقاومة أنهت وظيفتها"، مقدما تعريفا شاملا لها، جعلها فوق أي نقاش داخلي أو تسوية سياسية، ومؤكدا أنها ليست جيشا رديفا للدولة، بل "هوية ووجود وإيمان"، وبالتالي لا يمكن التنازل عنها.
حمل الخطاب رسائل أساسية:
الأولى عندما رأى أن "حزب الله ليس مشروعا سياسا عابرا، بل عقيدة متجذّرة هدفها الدفاع والصمود. ووظيفتها لم تتوقف، بل صارت أكثر إلحاحا في ظل استمرار التهديدات الإسرائيلية. بذلك أسقط منطق "انتهاء الدور" ورفع السلاح من كونه وسيلة إلى مرتبة المكون الوجودي للشعب.
ثم، من أخطر ما جاء في الخطاب وصفه قرار الحكومة اللبنانية تجريد الحزب من سلاحه بـ"الخطيئة التاريخية"، معتبرا أنه اتخذ بإملاءات أميركية ـ إسرائيلية، وأنه "غير ميثاقي". هنا وضع "حزب الله" نفسه في موقع المواجهة العلنية مع الدولة، مؤكدا أنه لن يلتزم قرارها إذا تعارض مع ثوابته. هذه العبارة في ذاتها تشكّل تحديا مباشرا لسلطة الدولة.
وقد رفض قاسم قطعا أي مقاربة تقوم على "خطوة من الحزب مقابل خطوة من الدولة"، معتبرا أن أي نقاش في الإستراتيجية الدفاعية لا يمكن أن يبدأ قبل انسحاب إسرائيل ووقف العدوان والإفراج عن الأسرى وبدء الإعمار. بمعنى آخر، ربط كل مسار داخلي بتطورات الصراع مع إسرائيل، ما يعني عمليا إغلاق الباب أمام أي حلول داخلية وسطية، وخصوصا على عمل المؤسسات الحكومية مع الموفدين الدوليين الذين تمسكوا بفكرة "الخطوة مقابل خطوة"، وبالتالي إسقاط التفاوض من أساسه.
في المحصلة، بدا خطاب قاسم أشبه بإعلان تموضع استراتيجي نهائي: لا تنازل عن السلاح، لا التزام لقرارات الدولة، ولا حلول وسطية قبل تغيير المعادلات مع إسرائيل. وبذلك، يكون الحزب قد رفع السقف إلى الحد الأقصى، في مواجهة مباشرة مع السلطة اللبنانية.
ويبقى السؤال: هل هذا الإقفال باب نهائي أو مجرد رفع سقف تفاوضي؟
الجواب مرهون بتطورات الميدان والضغوط الدولية، لكن الثابت أن خطاب قاسم شكّل رسالة واضحة بأن الحزب لن يسمح بتمرير أي مشروع داخلي يقيّد سلاحه، ولو جاء بقرار رسمي من الدولة اللبنانية نفسها.