زيارة رسمية لوفد سوري والموقوفون الأولوية

بعد تحديد مواعيد سابقة تبيّن عدم جديتها، من المفترض أن يصل وفد سوري وزاري وأمني إلى بيروت في اليومين المقبلين لبحث أكثر من ملف عالق بين سوريا ولبنان. فما الذي سيطلبه الوفد وكيف ستحلّ قضيّة الموقوفين السوريين في لبنان؟
أثمرت الجهود اللبنانية التي بُذلت على أكثر من صعيد قبول الجانب السوري إرسال وفد وزاري إلى بيروت بعد زيارتين لرئيسي الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي ونواف سلام في كانون الثاني/ يناير، ونيسان/ أبريل الفائتين.
ملفات قضائية وأمنية
بعد سلسلة لقاءات رسمية بين مسؤولين سوريين ولبنانيين، تُوّجت بلقاء جمع الرئيسين جوزف عون وأحمد الشرع على هامش قمة القاهرة، يصل إلى بيروت وفد سوري يضم تقنيين وممثلين عن وزارات الخارجية والداخلية والعدل إضافة إلى مسؤولين أمنيين.
متري: الحديث عن العفو العام غير دقيق
يؤكد نائب رئيس الحكومة طارق متري لـ"النهار" أن "الحديث عن إصدار عفو عام غير دقيق وأنه يعمل على مسوّدة اتفاقية بين لبنان وسوريا وقد تناقش خلال الاجتماع المقبل مع الوفد السوري".
وأشار إلى أن "لبنان مستعد للعمل على مسودة اتفاقية قضائية بين البلدين. ومن المحتمل أن يناقش الأمر في الاجتماع". ويذكر أن الوفد السوري سيكون ديبلوماسياً قضائياً وأمنياً وسيمهّد للقاء على مستوى الوزراء.
إلى ذلك ستكون قضية الموقوفين السوريين في لبنان، الذين يصل عددهم إلى نحو 2500 بين موقوف ومحكوم، من ضمن أولويات النقاش.
لكن المعضلة تكمن في عدم إمكان العفو عمن ارتكب جرائم بحق الجيش اللبناني أو ارتكب أعمالاً إرهابية أودت بحياة الكثير من اللبنانيين.
ويلفت إلى أن قضية النزوح السوري ليست من ضمن الأولويات القصوى، والدليل أن أعداد العائدين بعد تسلم المعارضة الحكم في 8 كانون الأول/ ديسمبر الفائت متواضعة فيما تنشط محاولات الدخول خلسة سواء من الشمال أو الشرق.
أما ملف النازحين اللبنانيين الذين هُجروا من منازلهم في ريفي القصير وحمص، فلا يبدو أنه على طاولة البحث على الرغم من تهجير أكثر من 70 ألف لبناني من بلدات سورية بالقرب من حوض العاصي.
وما يهم الجانب السوري هو المعاملة "الحسنة" للسوريين في لبنان، فضلاً عن إمكان إثارة قضية الودائع السورية في المصارف اللبنانية.
أما ما تردّد عن قانون للعفو العام فيوضح وزير العدل السابق سليم جريصاتي أن "الإشكاليات كانت ترافق طرح أي قانون للعفو العام لما يعنيه ذلك القانون، والإشكالية الأخيرة تلك الذي سبقت استقالة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري وحينها كانت لجنة وزارية تدرس ذلك الاقتراح وعلى الرغم من وصول القانون إلى مجلس النواب لم يُقرّ في حينها. فإشكالية العفو العام تتطلب ظروفاً مميزة لتنضج، وليس كافياً أن يكون السبب هو اكتظاظ السجون، ورغم أهميته فانه لا يستدعي صدور العفو العام"، ويلفت إلى "أن العفو العام يفاقم أزمات أخرى بدءاً من جرائم المخدرات إلى القتل وغيرها. لكن الظروف التي ترافق الحديث عن عفو عام هي مطلب سياسي بامتياز يكمن في مطالبة سوريا بذلك، وعادة تكمن الشياطين في تفاصيل العفو العام".
ويذكّر جريصاتي بما تم إقراره من خفض السنة السجنية إلى 9 أشهر وكذلك زيادة الحوافز للسجناء من أصحاب السلوك الحسن.
وفي لمحة عن العفو العام يستعيد وزير العدل السابق الظروف التي رافقت صدورها بعد ثورة أيار/ مايو 1958 وما تتطلبه الظروف من طيّ صفحة، وكذلك صدور قانون عفو عام في عام 1969 بعد حرب حزيران/ يونيو 1967 وبالتالي كانت هناك أسباب وظروف أدّت إلى نضوج العفو العام وصولاً إلى قانون العفو العام الصادر في 26 آب أغسطس عام 1991 وتضمّن العفو الجرائم التي ارتُكبت في لبنان حتى آذار من ذلك العام مع استثناءات لبعض الجرائم.
وفي تموز/ يوليو 2005 صدر عفو عن رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع وخليّتي عنجر والضنية.
ويصل جريصاتي إلى آخر محاولات إصدار العفو العام عام 2019، وأن من الصعوبة شمول العفو الأحكام المبرمة، وأن الاستثناء على الاستثناء لا يجوز قانوناً بمعنى أنه عند إدخال جريمة ضمن العفو العام لا يمكن خفض العقوبة على الجريمة عينها، والعفو العام يعفي من العقوبة ويبقي على الجرم، وأن خفض العقوبة على جريمة غير معفاة هو التفاف على العقوبة نفسها.
ويجب الحفاظ على مبدأ الفصل بين السلطات، وأي عفو عام يستلزم أخذ رأي مجلس القضاء الأعلى.
ويؤكد "أن كل ما حُكي عن عفو عام بالتزامن مع زيارة الوفد السوري يجب أن يأخذ في الاعتبار الظرف السياسي الذي يقضي بالوصول إلى العفو العام، وهنا تدخل الاجتهادات والاستنسابات، وأيضاً لا يمكن أن يصار للإعفاء عن جرائم قتل العسكريين سواء في عبرا أو غيرها (جرود عرسال)، والجيش اليوم منتشر على كافة أراضي الوطن، فهل نخرج جرائم قتل العسكريين من ذاكرة الجيش؟".
ويختم "العفو العام بحاجة إلى ظروف تساعد على إنضاجه والعفو العام لا يمكن أن يكون سياسياً أو إملائياً من أي جهة خارجية، والظروف الداخلية تحتم أن يقلب اللبناني صفحة سوداء من تاريخ هذا الوطن وأن يحلّ مكانها السلام".
ترسيم الحدود وتعقيدات البحر وهويّة المزارع
ملف ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا لا يمكن أن يصار إلى إيجاد الترتيبات النهائية له خلال الزيارة المنتظرة وخصوصاً أن الأمر شائك، سواء في ما يتصل بالحدود البحرية وما يستوجبه من تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان ولسوريا وترابط ذلك مع صعوبة تحديد حدود البلوكين اللبنانيين 1 و2.
أما في البر فالمسألة تحتاج أولاً إلى حسم هوية مزارع شبعا مع تمسّك لبنان بلبنانيتها وإثبات مالكيها اللبنانيين لملكيتهم العقارية في المزارع من خلال سندات تعود إلى أكثر من قرن من الزمن، ومن المنطقي، بحسب ما أورده سابقاً رئيس مجلس النواب نبيه بري، أن مزارع شبعا لبنانية ما دامت شبعا لبنانية. كلام بري جاء في جلسة نيابية بعدما أعطى مثلاً عن سؤال كان يوجّهه الأساتدة للتلاميذ لاكتشاف سرعة البديهة عنده وهو "مريم بنت عمران من هو والدها؟"، وأسقط ذلك على شبعا قائلاً: "عندما تكون شبعا لبنانية، فما هويّة مزارعها التي من البديهي أن تكون لبنانية؟".
بيد أن الأجواء تشي بأن دمشق أقرب إلى إعلان "تبنّيها لهوية المزارع"، وأن الضغوط الأميركية قد تفضي إلى نزع الهوية اللبنانية عن تلك المزارع وإلحاقها بسوريا تماشياً مع الخريطة الجديدة التي ترسمها واشنطن وتل أبيب للمنطقة.