يثير مستقبل قوّات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان انقساماً بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، هي التي تنتهي ولايتها في نهاية شهر آب/أغسطس، ويجب على مجلس الأمن الدولي تجديدها للاستمرار. 

أُنشئت هذه القوة لمراقبة انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان بعد اجتياح إسرائيل عام 1978، وتم توسيع مهمتها عقب حرب تموز 2006 بين إسرائيل و"حزب الله".

دخل المعيّنون السياسيون في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب هذا العام بعزم على إغلاق مهمة اليونيفيل بأسرع وقت. إذ يرون أنّها عملية غير فعّالة وهدراً للمال، ولا تؤدي إلا إلى تأجيل الهدف المتمثّل في إنهاء نفوذ "حزب الله" وإعادة كامل السيطرة الأمنية إلى الجيش اللبناني.

وبعد أن نجحوا في تقليص التمويل الأميركي بشكل كبير للقوة، وقّع وزير الخارجية ماركو روبيو في وقت مبكر من الأسبوع الماضي على خطّة لإنهاء اليونيفيل خلال الأشهر الستة المقبلة، بحسب مسؤولين في الإدارة الأميركية ومساعدين في الكونغرس مطّلعين على المناقشات.

تُعد هذه الخطوة جزءاً من تقليص أولويات إدارة ترامب في الشؤون الخارجية وموازنتها، بما في ذلك التشكيك في التحالفات الدولية وخفض التمويل لوكالات ومهمات الأمم المتحدة. وبرزت الهوة عبر الأطلسي في ملفات عدّة، من حرب إسرائيل ضد "حماس" في غزة، إلى الصراع الروسي–الأوكراني، مروراً بالتجارة والتكنولوجيا وحرية التعبير.

طالبت إسرائيل منذ سنوات بإنهاء ولاية اليونيفيل، وغالباً ما كانت عمليات التجديد تأتي بعد أسابيع من التجاذبات السياسية. أما الآن فالمخاطر أكبر، خصوصاً بعد حرب العام الماضي وتنامي المعارضة في واشنطن.

الدول الأوروبية، ولاسيما فرنسا وإيطاليا، اعترضت على إنهاء المهمّة. وبمساعدة السفير الأميركي في تركيا والمبعوث إلى لبنان توم باراك، تمكّنت من الضغط بنجاح على روبيو وآخرين لدعم تمديد ولاية القوة لعام إضافي، يتبعه جدول زمني محدّد للانسحاب مدّته ستة أشهر، بحسب المسؤولين والمساعدين الذين تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم لكون المفاوضات دبلوماسية خاصة لشبكة "أي بي سي".

وذكرت المصادر أن إسرائيل وافقت على التمديد على مضض.

ترامب. (أ ف ب)

كانت الحجة الأوروبية أن إنهاء مهمة اليونيفيل قبل أن يتمكّن الجيش اللبناني من تأمين الحدود بالكامل سيخلق فراغاً يمكن لـ"حزب الله" استغلاله بسهولة.

وأشار الفرنسيون إلى أن إنهاء مهمة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في مالي قبل أن تكون القوات الحكومية جاهزة للتعامل مع التهديدات الأمنية سمح للمتطرّفين الإسلاميين بالتقدم والسيطرة.

ومع تراجع حدّة الموقف الأميركي، باتت القضية المطروحة أمام تصويت مجلس الأمن في نهاية آب/أغسطس تتعلّق بمقاومة فرنسا وآخرين لفكرة تحديد موعد نهائي صارم لإنهاء العملية بعد التمديد لعام إضافي، وفقاً للمسؤولين والمساعدين. ولم يردّ المسؤولون الفرنسيون على طلبات التعليق.

مسودّة القرار...

مسودّة القرار الفرنسي النهائية، التي حصلت عليها وكالة "أسوشييتد برس"، لا تتضمّن تاريخاً لانسحاب اليونيفيل، وهو ما تقول واشنطن إنه شرط أساسي لموافقتها. بل تنص على تمديد مهمة حفظ السلام لعام واحد وتُشير إلى "نية مجلس الأمن العمل على الانسحاب".

لكن حتى لو تم تجديد الولاية، فقد تتعرّض المهمّة لتقليص لأسباب مالية، مع احتمال أن يواجه نظام الأمم المتحدة تخفيضات كبيرة في الميزانية، بحسب مسؤول في المنظّمة رفض الكشف عن اسمه لأنّه غير مخوّل بالتصريح للإعلام.

وقال أحد المسؤولين الأميركيين إن أحد الخيارات المطروحة هو تقليص عدد قوات اليونيفيل مقابل تعزيز وسائلها التكنولوجية لمراقبة الوضع على الأرض.

يوجد حالياً نحو 10,000 جندي لحفظ السلام في جنوب لبنان، بينما لدى الجيش اللبناني حوالي 6,000 جندي هناك، ومن المفترض أن يرتفع العدد إلى 10,000.

من جهّته، أعلن المتحدّث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك أن اليونيفيل تواصل هذا الأسبوع اكتشاف أسلحة غير مصرّح بها، بما في ذلك قواذف صواريخ وقذائف هاون وصواعق متفجّرة، وأبلغت عنها الجيش اللبناني.

وشدّدت الأمم المتحدة على أن قوّات حفظ السلام عنصر أساسي للاستقرار الإقليمي، بحسب دوجاريك.

وقال المتحدّث باسم اليونيفيل أندريا تننتي إن قرار تجديد الولاية من صلاحية مجلس الأمن الدولي، مضيفاً: "نحن هنا لمساعدة الأطراف في تنفيذ تفويض المهمة، وننتظر القرار النهائي".