تسمية الشوارع في لبنان... هل تتحوّل مصدر استفزاز وخلاف؟

قرار تغيير اسم "جادة حافظ الأسد" في محيط السفارة الكويتية في بيروت إلى "جادة زياد الرحباني"، لم يمرّ مرور الكرام. فتح هذا التغيير الباب واسعاً أمام اللبنانيين لطرح أسئلة أساسية: من يقرّر أسماء الشوارع في لبنان؟ وهل تخضع هذه التسميات لمعايير واضحة أو لمزاجيات سياسية وطائفية؟ في بلد متعدد الهويات والانتماءات، قد تحمل لوحة شارع أكثر من دلالة، وقد تثير الأسماء نفسها جدلا إذا ما مست حساسيات فئة من اللبنانيين أو اصطدمت بفكرة العيش المشترك.
في هذا الإطار، التقت "النهار" العميد محمود الجمل، رئيس لجنة إدارة السير وتسميات الشوارع في بلدية بيروت، للحديث عن الجهة المخوّلة قانوناً إطلاق التسميات، والمعايير المعتمدة، وحدود دور البلديات في هذا الملف الحساس.
يؤكّد الجمل أنّ تسمية الشوارع تبدأ من المجلس البلدي المعني، مشيراً إلى أن بلدية بيروت، على سبيل المثال، هي الجهة التي تتّخذ القرار بعد درس الطلب من خلال لجنة مختصة تُعرف بـ"لجنة السير وتسميات الشوارع"، والتي يرأسها بنفسه.
ويشرح أنّ الطلبات لتسمية شارع تُقدَّم عادةً من أهل الشخصية المعنية، أو من محبّين ومقرّبين، أو من هيئات اجتماعية وسياسية. بعد ذلك، يُحال الطلب على اللجنة المختصّة، حيث يُطرح في اجتماع رسمي وتُناقَش الأسباب الموجبة. وإذا اقتنعت اللجنة بأهمية التسمية وجدواها، يُرفع الاقتراح إلى المجلس البلدي الذي يصوّت عليه. بعد نيل الموافقة، يُحال على المحافظ، ومنه على وزير الداخلية الذي يوقّع القرار ويمنحه الصفة التنفيذية.
وعن المعايير التي تُعتمد، يوضح الجمل أنّ "التسمية يجب أن تكون تكريماً لشخصية وطنيّة لها بصمات تاريخية أو اجتماعية أو اقتصادية، وتتمتّع بإجماع واسع بين اللبنانيين. المطلوب ألا تكون الشخصية مثيرة للانقسام، وألا يستفزّ اسمها فئة من المواطنين، لأن الشارع لا يمكن أن يكون موضع خلاف أو جدل".
قرار تغيير اسم “جادة حافظ الأسد” في محيط السفارة الكويتية في بيروت إلى “جادة زياد الرحباني” لم يمرّ مرور الكرام. فتح هذا التغيير الباب واسعاً أمام اللبنانيين لطرح أسئلة أساسية: من يقرّر أسماء الشوارع في لبنان؟ وهل تخضع هذه التسميات لمعايير واضحة أم لمزاجيات سياسية وطائفية؟ في بلد… pic.twitter.com/mF7brCakrQ
— Annahar النهار (@Annahar) August 9, 2025
ويضيف: "نحرص دائماً على أن تحمل التسميات طابعاً جامعاً، فلا نستفزّ أحداً، ولا نفتح باب الانقسام داخل المجتمع، بل نسعى إلى تكريم من قدّم فعلاً للبنان".
وعن بعض الأسماء التاريخية التي لا تزال تُستخدم في بيروت، مثل "غورو" و"فوش" و"فردان"، يشير الجمل إلى أنّها تعود إلى زمن الانتداب الفرنسي، في فترة سبقت تطوّر بلدية بيروت بالشكل الحالي، ولم تكن تخضع آنذاك لصلاحيات تسمية واضحة كما هو الحال اليوم.
ويؤكد أنّ اللجنة الحالية تتّجه في قراراتها إلى اختيار شخصيات وطنية موضع إجماع، مستشهداً بتسمية أحد الشوارع باسم الرئيس الراحل سليم الحص، وقائلاً إنّ "هذا القرار لم يلقَ أي اعتراض، بل نال إجماعاً واسعاً، لأن الرجل كان قامة وطنية محترمة من الجميع".
وفي ختام حديثه، يشدّد الجمل على أهمية اعتماد معيار التوافق في كل تسمية مستقبلية، قائلاً: "نعد أهالي بيروت بأن تكون كل تسمية جديدة منسجمة مع اقتناعاتهم وتطلّعاتهم، وأن تُكرّم من يستحق من رجالات الوطن الذين قدّموا فعلياً إلى هذه العاصمة وهذا البلد".