الانتخابات النيابية 2026: شائعات ولا غطاء سياسياً بعد للتأجيل

مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية في ربيع 2026، تعود ملامح السجال السياسي التقليدي. لكن اللافت هذه المرة ليس فقط النقاش حول القانون الانتخابي أو التحالفات، بل تصاعد الحديث، همسا حينا وعلانية أحيانا، عن إمكان تأجيل الاستحقاق أو حتى التلاعب بتوقيته. فهل نحن أمام سيناريو تمديد ناعم، أو أن هذه الفرضيات مجرد شائعات موسمية؟ ومَن له مصلحة فعلية في إرجاء الانتخابات؟ وما الهدف من ذلك على المدى السياسي؟
لا كلام رسميا على التأجيل، إلا أن مؤشرات سياسية وإعلامية تشي بأن بعض القوى بدأت تُمهِّد للفكرة، تحت عناوين مختلفة، إما عدم الاستقرار السياسي، وإما الحاجة إلى إصلاحات انتخابية، وإما "مقاربة جديدة للحكم".
السوابق اللبنانية لا تُطمئن. فقد سبق أن مُدّدت ولاية مجلس النواب أكثر من مرة، ولا سيما بين 2013 و2018، لأسباب أمنية وسياسية. لكن الفارق اليوم أن لا خطر أمنيا وشيكا، ولا ظروف طارئة تبرر تأجيلا دستوريا. فأيّ دافع خلف هذه الدعوات غير المعلنة؟
ترى قوى سياسية في تأجيل الانتخابات فرصة لإعادة ترتيب المشهد الداخلي بما يخدم موقعها التفاوضي لاحقا، من بينها "حزب الله" وحركة "أمل" وبعض حلفائهما الذين يدركون أن ميزان القوى النيابي الحالي لا يمنحهم الغلبة الكاملة، علما أن تغيّرات الشارع منذ انتفاضة 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019 لا تزال تُربك الحسابات التقليدية.
توازيا، بدأت أصوات من المعسكر المعارض، خصوصا من قوى المجتمع المدني أو التكتلات النيابية "المستقلّة"، تحذّر من نيات لتمرير قانون انتخابي جديد تحت ستار الإصلاح، هدفه تقليص تأثير الأصوات التغييرية أو تعويم المنظومة بأدوات جديدة.
وبين هذا وذاك، لا يمكن إغفال موقع "التيار الوطني الحر" الذي يلوّح بين الحين والآخر بإمكان البحث في "صيغة سياسية جديدة" تسبق الانتخابات.
يذهب البعض إلى القول إن الهدف الأبعد من طرح فكرة تأجيل الانتخابات هو ربط الاستحقاق النيابي بالاستحقاق الرئاسي المقبل. فالرئيس الحالي تمتد ولايته إلى 2031، وإذا ما جرت الانتخابات النيابية في موعدها عام 2026، فإن البرلمان الجديد لن يؤثر في الانتخابات المقبلة، باعتبار أن ولايته ستنتهي سنة 2030.
لكن السيناريو الذي يُحكى عنه في الصالونات السياسية يتجاوز هذا الترتيب الزمني. فبعض القوى ترغب - وفقا لمصادر سياسية متابعة - في تأجيل الانتخابات إلى ما بعد 2027، بحيث يُعاد تشكيل البرلمان وفق توازنات سياسية "مضبوطة" تتيح لاحقا انتخاب رئيس جديد عندما يحين الموعد، من مجلس مضمون الولاء أو النفوذ.
هذا السيناريو، وإن بدا بعيدا من حيث الوقائع الدستورية، إلا أنه يعكس قلقا عميقا لدى بعض القوى من نتائج صناديق الاقتراع، في ما لو جرت الانتخابات في موعدها، وخصوصا إذا استمر المزاج الشعبي الغاضب من أداء الطبقة السياسية والانهيار الاقتصادي والشلل المؤسساتي.
لكن أي محاولة لتأجيل الانتخابات ستصطدم بحاجز قانوني صلب. فالدستور اللبناني واضح في دورية الاستحقاق، وأي تمديد يتطلب قانونا يقرّه مجلس النواب نفسه، وهو ما يعني أن لا تأجيل ممكنا من دون غطاء سياسي عريض يصعب توفيره اليوم، خصوصا في ظل الانقسام القائم وغياب التوافق حتى على أبسط الملفات.
النائب نديم الجميل يكشف لـ"النهار" أن "ما يجري اليوم في ملف الانتخابات لا يطمئنن، وعملية إدارة قانون الانتخاب وخصوصاً افتعال هذه الإشكاليات حول انتخابات المغتربين تدلّان على أن هناك لعبة ما تحصل لعرقلة هذا الاستحقاق".
ويشدّد على "ضرورة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها بمعزل عن القانون الذي سيعتمد، لأنها الوسيلة الوحيدة التي تؤكد الديموقراطية وتضمن الحريات".
ويعترف النائب هادي أبو الحسن من جهته، بالتعقيدات في قانون الانتخاب، لكنه في الوقت نفسه يرفض قطعا تأجيل الاستحقاق، ويقول: "علينا احترام الاستحقاقات الدستورية وإجراء الانتخابات في موعدها. فأمامنا قانون كان لنا تحفظاتنا عنه، ولكن لا بأس أن تُجرى الانتخابات في المرحلة المقبلة على أساسه، مع تعديل المادة ١١٢ لانتخاب المنتشرين، لأن انتخاب 6 نواب في الخارج غير عملي وغير واقعي ودونه تعقيدات، ولا يضيف شيئاً إلى الحياة السياسية ولا يساهم في تطويرها". وينفي أبو الحسن توجه أي من الكتل لتأجيل الانتخابات".
في المحصلة، الحديث عن التأجيل لا يزال في خانة الفرضيات، إلا أن التجربة اللبنانية علّمتنا أن الاستحقاقات الدستورية كثيرا ما تُصبح رهينة الحسابات السياسية الكبرى.