وجع الشيعة لا يبرّر التخوين… الحرب الإسرائيلية لم تنتهِ وحماية لبنان ليست استسلاماً

سياسة 16-02-2025 | 17:36

وجع الشيعة لا يبرّر التخوين… الحرب الإسرائيلية لم تنتهِ وحماية لبنان ليست استسلاماً

إن الترجمة السياسية لمجريات الانقضاض على "حزب الله" في لبنان وإسقاط نظام بشار الأسد في سوريا هو تقويض عملاني هائل لنفوذ طهران، وتشدّد أميركي "ترامبي" وإسرائيلي لصدّ تهيئة الظروف الموضوعية التي تتيح إعادة الحزب التعبئة والتسليح وممارسة طهران النفوذ نفسه. 
وجع الشيعة لا يبرّر التخوين… الحرب الإسرائيلية لم تنتهِ وحماية لبنان ليست استسلاماً
الاحتجاجات على طريق المطار (تصوير: نبيل اسماعيل)
Smaller Bigger

هناك من يحاول تدفيع اللبنانيين جميعاً ثمن رهاناته العسكرية والسياسية الخاطئة. لا حاجة لتفسير كثير. اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقع عليه لبنان برضى من "حزب الله" هو اتفاق يعكس نتائج الميدان، الذي تلقّى فيه الحزب ضربات قاصمة، لكنه لم ينته وبقي مقاتلوه حتى الرمق الأخير يحاولون صدّ تقدّم الجيش الإسرائيلي وتوغلاته في القرى، وسط هجوم إسرائيلي غير مسبوق مدعوم تكنولوجياً وعسكرياً من حلفاء إسرائيل. وعليه، فإن الترجمة السياسية لمجريات الانقضاض على "حزب الله" في لبنان وإسقاط نظام بشار الأسد في سوريا هو تقويض عملاني هائل لنفوذ طهران، وتشدّد أميركي "ترامبي" وإسرائيلي لصدّ تهيئة الظروف الموضوعية التي تتيح إعادة الحزب التعبئة والتسليح وممارسة طهران النفوذ نفسه. 

 

من الاعتصام الذي نظمه "حزب الله" على طريق المطار. (نبيل إسماعيل)

 

في الواقع، يحاول مشهد الاحتجاجات النابعة من بيئة الحزب نكران تغيّر ميزان القوى الداخلي الجديد في البلاد، وتحويل مشهد الأعلام الصفراء في مواجهة بزة الجيش اللبناني معياراً لرسم المعادلة المحلية. النقاش في داخل الحزب يدور حول التنازلات التي تقدم في الداخل وتدحرجها، فإن كان التصويت للعماد جوزف عون والمشاركة في حكومة نواف سلام مررا بأقلّ الخسائر الممكنة، فإن التجرؤ على خطوات أكبر مطلوبة دولياً لناحية منع تمويل الحزب وتجفيف منابعه هو الامتحان الحقيقي الذي يستحق الآن. 

 

من الاعتصام الذي نظمه "حزب الله" على طريق المطار. (نبيل إسماعيل)

 

الحرب لم تنتهِ لكن شكلها تغيّر، والنار الإسرائيلية لم تغادر السماء ولا الأرض. والخطير أن يؤدي انكفاء "حزب الله" من جنوب الليطاني نحو الداخل إلى زعزعة السيبة الهشّة التي تقف عليها البلاد، والاستقرار الضعيف في الداخل، في سياق إثباته نظرية عدم الاستسلام للواقع الجديد وأن ثمن الاستسلام أكبر من ثمن المقاومة.

 

 يتحدث نواف سلام عن قبوله بحقيبة المالية للشيعة في سياق عدم إشعار الطائفة بأن ثمّة من ينقضّ عليها داخلياً بعد النكبة التي ألمت بها في الحرب الإسرائيلية. خطاب القسم نفسه ضمّنه جوزف عون ما يطمئن من أدبيات حيال إسرائيل والشهداء والأراضي المحتلة وإعادة الإعمار. لا تختلف لهجة وليد جنبلاط، وهو المبادر إلى الاحتضان ولملمة المسألة الشيعية مع الرئيس نبيه بري. الرئيس سعد الحريري، بما يمثّل من وزن ومزاج سنيّ عكسته مشهدية 14 شباط، تمسّك أيضاً بالخطاب الاستيعابي، لا بل أرفقه بجرعات عاطفية. لكنّه من المسلّم به أن المشترك بين المذكورين هو عدم التراجع حيال مسألة احتكار الدولة للسلاح وفرض الشرعية والرغبة في طيّ صفحة النفوذ الإيراني المهيمن في لبنان، تماهياً مع السقوف العربية.

 

من الاعتصام الذي نظمه "حزب الله" على طريق المطار. (نبيل إسماعيل)

 

وناهيك بهذه الرغبات الداخلية التي تحاكي مزاجاً لبنانياً واسعاً، هناك سكين إسرائيلي مسلط على لبنان، وقرار أميركي يتماهى مع مزاج عربي بعدم عودة العقارب إلى الوراء. هذه الوقائع لا يمكن مواجهتها بالنكران، ولا تعني امتحان جوزف عون ونواف سلام عند كلّ مفترق، والطلب منهما مواجهة القرار الأميركي والنار الإسرائيلية والموقف العربي بما لا يملكان. بالأصل، شارك الثنائي في حكومة يعرف جيّداً المعادلات التي تحكمها والالتزامات المطلوبة منها.

نعم الشيعة بمعظمهم يعيشون اليوم حالة الانتقال من زمن فائض القوة والانتصارات إلى واقع مؤلم مع الدمار الذي أباد قراهم وأسواقهم التجارية، ولا يزالون يلملمون أشلاء شهدائهم، ويستعصي حتى الآن معرفة عدد الشبان الذين قتلوا في القرى، لا سيما الأمامية. تمتلئ مواقع التواصل بفيديوات التشييع والرثاء ومشاهد الأمهات اللواتي يتألّمن نتيجة فقد أبنائهن، وهم في ربيع العمر، في حرب الإسناد وما تلاها. ولا يعلم الآلاف متى يعودون إلى بيوتهم المدمّرة وكيف ستُبنى من جديد! 

 

من الاعتصام الذي نظمه "حزب الله" على طريق المطار. (نبيل إسماعيل)

 

لا يمكن جرّ هؤلاء الناس ومن معهم إلى خطاب يتهم أغلب اللبنانيين بالعمالة. هؤلاء اللبنانيون في حيّز كبير يمتلكون مشتركاً صلباً مع معظم الشيعة، ويريدون بلداً مستقرّاً مزدهراً ودولة ونظاماً ودورة اقتصادية منتظمة، وهم لا يملكون الآن فرض ما يوقف جموح بنيامين نتنياهو المدعوم من دونالد ترامب، وليسوا مغرمين بالتسليم للوصاية الأميركية والشروط الإسرائيلية. جلّ ما يمكنهم أن يأملوه حماية رؤوسهم من جموح المشاريع الكبرى المخططة للمنطقة، واستيعاب بعضهم البعض. هؤلاء جميعهم اعتبروا مِن أثمان الصدامات الأهلية المريرة. 
ولا شك في أن المرحلة الآن هي أخطر من الحرب الإسرائيلية بعنفها ونارها، لأنها مرحلة تثبيت الترجمة السياسية لنتائجها، ولا يتوهّم أحد أن الحرص على منع الصدام الأهلي يشغل بال كثر خارج لبنان.


بمعزل عن نظرية ما بات يُسمّى بصراع الأجنحة في "حزب الله"، والقول إن فئة من شارعه لا يمكن السيطرة عليها، لا سيّما أنها لا تريد التسليم بأن كلّ الدماء التي بذلت أدت إلى وضع لبنان في خانة الوصاية الأميركية، فمساحة العقل هي المطلوبة الآن وجعل السلم الأهلي خطاً أحمر.

 

ومهما بلغت حدّة الخطابات فستبقى الدولة معنية بتبنّي أبنائها، والتأكيد على أولوية إعادة الإعمار وعودتهم إلى قراهم واحتضانهم. 

 

فلتُحلّ معارك الطيران الإيراني في ساحات أخرى للصراع الأميركي الإيراني غير طريق مطار بيروت. فأمام من تقفل طريق المطار اليوم؟! دفع لبنان قسطه للعلا من أثمان هذا الصراع وحرب الإسناد المدمّرة. 

 

هناك من يشبه اللحظة الراهنة بثمانينيات القرن الماضي محاولاً جعل الضعف نقطة بداية جديدة... آن لهؤلاء أن يستريحوا قليلاً ويفكّروا في نهج آخر.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

العالم 11/25/2025 5:00:00 PM
مرحباً من "النهار"، إليكم خمسة أخبار بارزة حتى الساعة الخامسة عصراً بتوقيت بيروت...
لبنان 11/24/2025 8:28:00 PM
دير مار يوسف في جربتا يوضح أن النور الملاحظ قرب قبر القدّيسة رفقا ناجم عن بروجيكتور ولا يرتبط بأي ظاهرة استثنائية.