لم يترك الجيش اللبنانيّ وسيلة إلّا واستخدمها لإعادة فتح طريق المطار بعد إقفاله بالإطارات المشتعلة والأجساد البشريّة خلال التظاهرة الاحتجاجيّة على منع الرحلات الجويّة الإيرانيّة إلى مطار الشهيد رفيق الحريري.

وإذا كانت الأمور مرّت على خير على الرغم من الاحتكاكات بين المتظاهرين والقوى الأمنيّة، فإنّه من الضروريّ السؤال عمّا حدث وما دلالاته؟

عصر الخميس ورد اتصال من عائلة أستاذ في الجامعة اللبنانية تفيد أنّها تنتظر منذ ساعات في مطار طهران بسبب عدم السماح بالهبوط لطائرة إيرانية كانت مُجَدْوَلة على لائحة الرحلات من طهران إلى بيروت، وبعد قليل انتشرت فيديوهات لركّاب ولزوار لبنانيين كانوا يقومون بزيارات دينيّة في مدينة مشهد الإيرانيّة.

تلك المشاهد انتشرت على نطاق واسع وسط دعوات شبابيّة للتظاهر أمام مبنى المطار، وبعد نقاش على مجموعات التواصل الاجتماعيّ تمّت الدعوات للتجمّع على طريق المطار وإقفالها حتّى إعطاء الإذن من بيروت للطائرة الإيرانيّة. 

الاعتصام بدأ بأعداد قليلة من شبّان يقيمون في منطقة الرمل العالي وبرج البراجنة القريبتين من المطار، ولكن مع تواتر الأخبار عن عدم السماح للطائرة، بدأت الأعداد بالارتفاع، علماً أنّ الجيش اللبنانيّ كان نجح في إعادة فتح الطريق وإبعاد الشبّان بعد احتكاك محدود معهم أدّى إلى جرح أحدهم وإصابته بالاختناق ما استدعى إسعافه ميدانياً ومن ثمّ نقله إلى مستشفى قريب من المطار.

ظلّ التحرّك ضمن وتيرة عادية إلى أن جاء الخبر اليقين بأنّ السلطات اللبنانية ستمنع الرحلات الإيرانية حتى تاريخ لاحق من الشهر الحالي، وتمّ التداول بتاريخ 18 منه أو 23، أي يوم التشييع المنتظر للسيّدين حسن نصر الله وهاشم صفي الدين.

عندها ازدادت الأعداد وأقفلت كلّ الطرق المؤدية إلى المطار وسط محاولات الجيش وجهاز أمن المطار فتحها قبل اللجوء إلى استخدام القنابل المسيّلة للدموع ومن ثمّ إطلاق الرصاص لإبعاد المعتصمين.

تلك المشاهد أعادت إلى الأذهان ما كانت تشهده طريق المطار في الأعوام الماضية وخصوصاً عام 2008 عندما أقفلت بالسواتر الترابية.

بيد أنّ ما حصل في الأيام الماضية كان مختلفاً. فحديث المعتصمين كان يعبر عن شعور بالاستضعاف من اكثر من جهة، وكان اسم المتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي يتردد مع كل مواجهة مع الجيش وكان احد الشبان يصرخ "أتتكم التعليمات من أفيخاي وأميركا لتمنعوا الطائرات الإيرانية"، ومع اشتداد الاحتكاكات كان البعض يتوجه للجيش "هنا ليست كفركلا أو حولا أو العديسة، هناك يجب أن تكونوا للدفاع عن الجنوب وليس أن تقمعونا".

وسط ذلك الاحتدام حضر مسؤول أمني في "حزب الله" وتمنّى على  المعتصمين إخلاء المكان لأنّ ركّاب الطائرة سيصلون الاثنين .

استجاب البعض وغادر المكان، ولكن لم يمض وقت طويل حتى عادت وتيرة قطع الطرق للارتفاع، ولم يبرد بيان المديرية العامة للطيران المدني من حماوة التحركات، وعندها كان قرار الجيش بفتح الطرق وان بالقوة وبالفعل استخدم الغاز المسيّل للدموع ومن ثمّ إطلاق الرصاص في الهواء.

" رفض للاستضعاف أم فائض قوّة"

صحيح أنّ إقفال طريق المطار يجب ألّا يستخدم في الحسابات والمناكفات الداخلية، وإن كان لبنان شهد تكراراً ظاهرة قطع الطرق وإحراق الإطارات، وقد أقفل عدد كبير من الطرق أيضاً خلال انتفاضة 17 تشرين 2019.

لكن من الواضح أنّ إقفال طريق المطار بات حكراً على أطراف محدّدين بالانتماء السياسي والمذهبي، وربما السبب يعود إلى الديموغرافيا المحيطة بالمرفق الجوي .

بيد أنّ كلّ الشعارات ومعظم التعليقات التي أوردها المعتصمون كانت تعبر عن موقف صلب مفاده أنّ  العدوان الإسرائيلي والمتغيرات في المنطقة يجب ألّا تستثمر في الداخل وبالتالي يخرج الاعتصام عن الهدف الذي كان من أجله، سواء أكان محقّاً أم لا. ويجب التوضيح هنا أنّ سبب منع الطائرات الإيرانية من الهبوط في المطار تقني لكنّه تزامن مع تهديدات إسرائيلية ربما أفقدت بيان المديرية العامة للطيران المدني صدقيته لدى جمهور واسع محتقن.

وثمّة تخوف من أن يستمرّ الكباش في أكثر من محطة وإن ظهرت رغبة بالتروّي وعدم التصعيد إلى ما بعد الانتهاء من استحقاقات أساسية في شهر شباط/فبراير الجاري.