الوضع على الحدود اللبنانية- السورية... تصعيد مقلق بين العشائر والإدارة الجديدة

سياسة 09-02-2025 | 15:58

الوضع على الحدود اللبنانية- السورية... تصعيد مقلق بين العشائر والإدارة الجديدة

مع تصاعد التوترات بين الإدارة السورية الجديدة ومسلحي عشائر بعلبك الهرمل، تشهد الحدود تحولات جذرية وتغيرات متسارعة منذ سقوط نظام الأسد.
الوضع على الحدود اللبنانية- السورية... تصعيد مقلق  بين العشائر والإدارة الجديدة
سقوط قذيفة من الجانب السوري في الأراضي اللبنانية.
Smaller Bigger

تعتبر الحدود الشمالية الشرقية لقضاء الهرمل بؤرة متوترة بين لبنان وسوريا، حيث تجتمع الدولتان في نقطة جغرافية تتداخل فيها المصالح الإقليمية وتتجاذبها التحديات الأمنية الضخمة. ومع تصاعد التوترات بين الإدارة السورية الجديدة ومسلحي عشائر بعلبك الهرمل، تشهد الحدود تحولات جذرية وتغيرات متسارعة منذ سقوط نظام الأسد.

 

منذ بداية الأزمة السورية في العام 2011، تفجرت التوترات بين البلدين نتيجة التداخل السياسي والأمني. واليوم، تعمل الإدارة السورية الجديدة على تقوية قبضتها في المناطق الحدودية، ساعيةً إلى رسم واقع جديد يتسم بالسيطرة على المعابر الحدودية الشرعية وغير الشرعية. إذ تؤكد أن سيادتها وأمنها لا يقبلان المساومة، وستواصل محاربة هذا التهديد حتى آخر نفس، وفق مصدر قيادي في الإدارة لـ "النهار"، والذي وصف أيضا هؤلاء المسلحين بأنهم "بقايا نظام مجرم و"حزب الله". 

 

على الطرف الأخر، تشهد المنطقة وجوداً قوياً لعشائر بعلبك- الهرمل، التي لا تعترف بالحدود المرسومة. فقد عاشت هذه العشائر شبه مستقلة، وتدير شؤونها بعيداً عن السلطات اللبنانية الرسمية. 

 

لكن تزايد عمليات التهريب عبر هذه المعابر التي تخضع لسيطرة العشائر ومهربين سوريين آخرين إلى جانب النزاعات السياسية والأمنية، جعل المنطقة تتأرجح بين الاستقرار والفوضى، ما يهدد بزعزعة الوضع الأمني في المستقبل.

 

شهدت الحدود في الأيام الثلاثة الماضية تصعيداً عنيفاً، حيث أصبح الجانب العسكري عنصراً أساسيًا في هذا الصراع. بدأت القوات السورية بفرض سيطرتها على المناطق الحدودية من خلال إنشاء حواجز ونقاط عسكرية تمتد على طول الحدود لأول مرة. في المقابل، لم تبقََ العشائر مكتوفة الأيدي بل بدأت في مواجهة ما تعتبره تهديداً لحقوقهم المحلية والاقتصادية، متحدين التحديات لحماية مكتسباتهم. أدى ذلك إلى اندلاع اشتباكات دموية بين الطرفين، توقفت بعد تدخل الجيش اللبناني بناءً على توجيهات رئيس الجمهورية العماد جوزف عون. كما أصدرت قيادة الجيش الأوامر لقواتها المنتشرة على الحدود الشمالية والشرقية للرد على مصادر النيران التي تُطلق من الأراضي السورية وتستهدف الأراضي اللبنانية.

 

هذا التدخل جاء ليحمي البلاد من أزمة حدودية قد تعيد إلى الأذهان حادثة معربون التي وقعت الشهر الماضي مع مهربين سوريين، ولولا حكمة قائد فوج الحدود البري الرابع وتدخله السريع لكانت البلاد أمام أزمة أمنية عسكرية خطيرة.

 

وأفاد مصدر أمني "النهار" أنه بالتوازي مع الاتصالات المتواصلة على مدار يوم أمس بين القيادات الأمنية اللبنانية، وخاصة مديرية المخابرات في الجيش، ونظرائهم السوريين بناءً على توجيهات رئاسة الجمهورية، بالإضافة إلى تصريح قيادة الجيش بشأن الرد على الاعتداءات التي طالت الأراضي اللبنانية، كل هذه الجهود قد ساهمت في تقليص التأثيرات السلبية التي نتجت عن الاشتباكات وما صاحبها من زخم إعلامي، والذي كان يمكن أن يؤدي إلى تصعيد الأوضاع بين لبنان وسوريا. ويبدو أن الأمر قد يتطلب تدخلاً سياسياً عاجلاً من الحكومة برئاسة نواف سلام لإعادة ترتيب الأوضاع المضطربة والوصول إلى تفاهمات سريعة، تمهيداً لفتح قنوات الحوار حول المشكلات العالقة بين البلدين.

 

كما تُشكّل هذه الخطوة، المتعلقة بتعزيز السيطرة السورية على الحدود مع لبنان، تحدياً مباشراً لحزب الله في المنطقة. وقد قامت الإدارة السورية الجديدة بتعزيز سلطتها عبر إنشاء نقاط حدودية ثابتة في القرى اللبنانية القريبة من الحدود، بهدف تعزيز السيطرة على المعابر غير الشرعية وإغلاق منافذ التهريب التي استغلتها الجماعات المسلحة، بما في ذلك حزب الله، لسنوات طويلة. 

 

السيطرة السورية الحالية على هذه النقاط تحد من نفوذ الحزب في المناطق الحدودية، ما يقلل من قدرته على الحركة بحرية كما كان في السابق، ويؤثر على المعادلة الأمنية والسياسية في لبنان، خصوصاً في المناطق الحدودية الحساسة.

 

ومع تصاعد التوترات العسكرية، يبرز شبح المواجهات المفتوحة بين الطرفين وخصوصاً إذا ما تعمق التدخل العسكري السوري وتزايد الضغط على العشائر المحلية. هذا التصعيد قد يفضي إلى تداعيات كارثية على المدنيين، تهدد حياتهم وتدمر ممتلكاتهم. 

 

في خضم هذا التداخل المقلق بين العوامل العسكرية والسياسية، قد تُفتَحُ الأبواب أمام تدخلات خارجية من قوى أخرى، ما يعقد المشهد الأمني ويُفاقم الأزمة بشكل أكبر خصوصاً بعد التصريح الذي أدلى به الرئيس الفرنسي، حيث أبدى استعداد فرنسا للمساهمة في تعزيز الاستقرار على الحدود بين سورية ولبنان.

 

يعكس هذا الصراع الحدودي أيضاً أبعاداً اقتصادية واجتماعية صعبة. المنطقة، التي تعاني من تهميش سياسي واقتصادي طويل من قبل الدولة اللبنانية، تجد نفسها غارقة في أزمات اقتصادية متفاقمة نتيجة تصاعد التوترات، فالعديد من العشائر المحلية تعتمد بشكل أساسي على هذه الأنشطة التجارية الحدودية، ما يخلق صراعاً مستمراً مع السياسات الجديدة للإدارة السورية في المنطقة.

 

كذلك زاد قلق الشيعة اللبنانيين الذين يعيشون في قرى حوض العاصي في ريف القصير بعد أن فقدوا ممتلكاتهم من تغييرات ديموغرافية طويلة الأمد. وهذا يسبب قلقاً لدى العديد من الأطراف بشأن تغيير الهويات السكانية في مناطق مهمة على الحدود بين البلدين.

 

ومستقبل الوضع الحدودي بين البلدين يتوقف على تطورات عدة، وتتمحور السيناريوات المحتملة حول ثلاثة اتجاهات رئيسية:

 

السيناريو الأول هو "التسوية والتنسيق الأمني"، فإذا تمكنت الحكومة اللبنانية من التوصل إلى اتفاقات مع دمشق بشأن إعادة ضبط الحدود، يمكن أن يؤدي التنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري إلى تقليل الأنشطة العسكرية العشوائية وإيقاف محاولات استغلال المناطق الحدودية للتهريب. 

 

أما" السيناريو الثاني" في حال استمرار النزاع بين الإدارة السورية الجديدة وعشائر بعلبك الهرمل، قد يؤدي ذلك إلى تصعيد عسكري يتجاوز الحدود المحلية، ليؤدي إلى تداعيات خطيرة على المنطقة.

 

السيناريو الثالث يرتبط بـ" تحوّل المنطقة إلى ساحة لتأثيرات القوى الإقليمية"، حيث قد تؤدي الضغوط إلى تدخل قوى خارجية بشكل مباشر أو عبر دعم فصائل محلية، ما يزيد من تعقيد الوضع ويطيل أمد الأزمة.

 

للمزيد:الاشتباكات على الحدود السورية متواصلة... إسقاط مسيّرتَين للمسلّحين وإطلاق قذائف صاروخية

 

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 12/6/2025 12:01:00 AM
لافتات في ذكرى سقوط نظام الأسد تُلصق على أسوار مقام السيدة رقية بدمشق وتثير جدلاً واسعاً.
المشرق-العربي 12/6/2025 1:17:00 PM
يظهر في أحد التسجيلات حديث للأسد مع الشبل يقول فيه إنّه "لا يشعر بشيء" عند رؤية صوره المنتشرة في شوارع المدن السورية.
منبر 12/5/2025 1:36:00 PM
أخاطب في كتابي هذا سعادة حاكم مصرف لبنان الجديد، السيد كريم سعيد، باحترام وموضوعية، متوخياً شرحاً وتفسيراً موضوعياً وقانونياً حول الأمور الآتية التي بقي فيها القديم على قدمه، ولم يبدل فيها سعادة الحاكم الجديد، بل لا زالت سارية المفعول تصنيفاً، وتعاميم.