المعارضة الشيعية ليست لملء فراغ

سياسة 21-01-2025 | 13:37

المعارضة الشيعية ليست لملء فراغ

عقود طويلة مرّت منذ نهايات القرن الماضي، ما قارع خلالها التنظيمان الشيعيان الإقطاع، بل كان ذلك من مهمات اليسار والقوى الشعبية الفاعلة في المناطق.
المعارضة الشيعية ليست لملء فراغ
نبيه بري ونواف سلام. (نبيل إسماعيل)
Smaller Bigger

طوال أكثر من أربعة عقود، غُيّب الصوت الشيعي المعارض لمصلحة أطراف تحتكر التمثيل  الشيعي وتحصره بها. أجهزت حركة "أمل"، وفي ما بعد "حزب الله" على الإقطاع العائلي ومكونات شعبية متنوعة، عبر ميليشيا مسلحة تقاتلت في ما بينها، وحملت لواء الدفاع عن الجنوبيين والبقاعيين والطائفة بمجملها. وتربع هذان التنظيمان على عرش السلطة ليجمعا المكاسب ويستخدما النفوذ ويقوّضا بنية الدولة باسم المحرومين والمستضعفين. 

 

عقود طويلة مرّت منذ نهايات القرن الماضي، ما قارع خلالها التنظيمان الشيعيان الإقطاع، بل كان ذلك من مهمات اليسار والقوى الشعبية الفاعلة في المناطق.

 

بعد الحرب، حضر الإقطاع العائلي على لوائح المحادل، ومن استُثني من  العائلات بغاية درء خطر عن المصالح الشخصية، بينما لم يستوعب صناع البرلمان أي يساري، ويُعدّ النائب الراحل حبيب صادق استثناء.  

 

غاب الصوت الشيعي المعارض، أولًا بسبب سياسيات الترهيب والترغيب وثانياً عبر الطبخات الداخلية المحضرة بأيدي من في السلطة وبمؤازرة سوريّة، وصادر الطرفان الشيعيان المهيمنان كل أشكال التمثيل عبر إمساكهما بالخدمات ووظائف الدولة، في ظل هيمنة السلاح تحت عنوان مقاومة إسرائيل. يضاف إلى ذلك نجاح السلطات المتسلطة في طمس أي صوت يغرد خارج التيار عبر تخوينه تارة وتصفيته تارة أخرى. ولا ننسى سقوط الاتحاد السوفياتي وتداعياته على اليسار في الداخل وتضعضع صفوفه، إضافة إلى ما طال الحركات والأحزاب العروبية من هزات وانحسارات، الأمر الذي أدى إلى نزوح طوعي للشيعة من اليسار والقوى الناصرية والقومية نحو اليمين الشيعي المتمثل في "حزب الله" وحركة "أمل". 

 

 اضطلع الإعلام أيضاً بدور سلبي في التعتيم، خصوصا بعدما أفل نجم اليسار عالمياً واضطر الحزب الشيوعي إلى بيع قناة "نيو تي في" حينها والتخلي عن إصداراته الورقية. 

 

وما تبقى من الإعلام كانت تُملى عليه أسماء شخصيات لتقديمها إلى الرأي العام على أنها تمثل "الرأي الشيعي" قاطبة. وعلى غرار أفكار الأحزاب الحاكمة في البلدان الديكتاتورية، بما أنك شيعي فأنت من أنصار الثنائي حتى لو لم تنتمِ إلى هذه الأكذوبة، التي صدقتها وتعاملت معها الأطراف الأخرى، بل ساهمت في ترويجها وتعويمها. 

 

وفي هذا السياق، برزت عوامل أدت إلى إحباط الكثير من العقول والشخصيات التي اعتمدت خطاباً إصلاحياً ببعد وطني، حرصاً على تأمين سلامتها الشخصية من كواتم الصوت التي كانت تعمد إلى تدوير الزوايا في المجالس العامة كي لا ترغم على تسجيل فيديو اعتذار على غرار ما يتباهى به "حزب الله"، وهو "السحسوح". ولم يكترث الحزب بأن هذه الفيديوات تؤكد انتهاجه السياسة القمعية التي يمارسها التنظيم المدجج تجاه المجتمع الشيعي.

 

ولا تفوت الإشارة إلى تصرف قوى 14 آذار مع الشخصيات الشيعية التي انضمنت إليها ضمن حراكها، فلم تحتضنها، بل تخلّت عنها عند أول استحقاق انتخابي، بدليل إبرام الاتفاق الرباعي مع قوى الطرف الآخر. حتى في الانتخابات الأخيرة، سلمت هذه القوى في البرلمان رقاب الشيعة بمن فيهم المعارضون إلى مقصلة الثنائي، عبر قانون انتخاب يضمن الهيمنة ومنع أي تمثيل آخر إلا إذا حصلت معجزة، أو كادت. 

 

في السنوات العشر الأخيرة بدأت مجموعات شابة تتحرك بخطاب واضح وصريح ينتقد الثنائي وخيارات "حزب الله" وارتباطاته وارتهانه. شباب ما أنكروا تجارب من سبقوهم من مثقفين نالوا شرف التجربة في ظروف صعبة وتحت سلطة الغطرسة السورية. 

 

أفرزت ثورة 17 تشرين الأول/ أكتوبر مزيدا من الوجوه. لا يخفي هؤلاء الناشطون تحسسهم من إبراز هويتهم الطائفية وحصرهم ضمن صبغة "المعارضة الشيعية" لكونهم يرون في حراكهم بعدا وطنياً يتخطى الجانب المذهبي. لكن التعامل معهم كان أحيانا لإظهار الصوت الشيعي المعارض لقوى "الأمر الواقع"، علّ بعض الأطراف ممن يمارسون العقاب الجماعي لشيعة لبنان يتراجعون بنظرتهم ومواقفهم ويعون أن هذه الطائفة تحتاج إلى من يحررها لا من يدمرها من الخارج بعد تدمير بنيانها الداخلي. 

 

إظهار البعد الوطني في خطاب المعارضين الشيعة هو أهم ما يميزهم عن غيرهم، وإن يكن هدفهم الأول الارتقاء بالبيئة الشيعية نحو الفضاء الوطني  وتحريرها من الانكفاء خلف جدران المربعات الأمنية.
هذه المعارضة التي ما زلت تعبّر عن نفسها بأفراد وليس بمجموعات، لم تقدم يوماً نفسها بديلا حين يُهزم "حزب الله"، بل هي البديل الوطني الذي اعتاد أن يواجه الحزب وهو في ذروة قوته. 

 

الأصوات المعارضة ما عبرت عن نفسها لتكون بديلا من الثنائي في سوريا ولا في أي دولة أخرى، بل وجدت لتؤكد أن في المجتمع الشيعي من يحمل فكرا لبنانياً يقدم مصلحة الوطن هدفا أسمى وأخيرا، ولتكون عامل جذب لكثير من الشباب الشيعي الذي يعاني موبقات أفعال الحزب وممارساته، ويرغب في إثبات نفسه على الساحة الوطنية وتحت عنوان الكفاءة في مؤسسات الدولة وأينما وجد، من دون الحاجة إلى زيارة عين التينة أو حارة حريك.

 

هذه البيئة المتضررة تجد اليوم مشروعاً جاهزاً تم تأسيسه منذ سنوات، وقد أثبت صوابية خطابه بعد تصدير القوة والنكسات التي طالت الناس. 

 

تحتاج قوى المعارضة إلى بلورة حثيثة اليوم لتكريس منصة تجمع ناشطيها على الأقل. وهذه المنصة ليست لتقاسم المغانم مع قوى الفساد والميليشيا، ولا لتقديم أوراق اعتماد لدى دول العالم والإقليم تحت ستار "الصوت الشيعي"، ولا لكي تدعو إلى "حصر تمثيل الشيعة بها"، مع الاقتناع بأن تقويض حالة "حزب الله" أو إزاحة هالة الثنائي المترامية الأطراف على البيئة ليست بالأمر الممكن، والاقتناع بهزيمة مشروع "حزب الله" الداخلي لدى الكثير من الشيعة مسألة تتطلب وقتاً ولا يمكن تحقيقها إلا ببناء الدولة القادرة والعادلة. ومما  لا شك فيه أن وجود الحزب والحركة ما زال قوياً في الساحة الشيعية، ولم يخل مكانهما لتملأ المجموعات المتحررة الفراغ. 

 

هذه الحركات الفردية والجماعية بفكرها ونهجها، ترى أن مشروعها هو أن يقرن اسم لبنان بكلمة الوطن لا أن يكون لبنان التابع والمرتهن، وهذا أسمى من تسمية شارع أو منطقة أو تحطيم تمثال أو إزالة لوحة إعلانية. 
تسعى هذه القوى التي تتشكل أحياناً وتتفرد أحيانا أخرى، إلى إسقاط شرعية من يدعون تمثيل الطائفة ويتكلمون باسمها ويخطفونها ويقامرون بها لمصلحة الشخص والدول الخارجية، مستغلين أرقى المشاريع في الوجود، "المقاومة" و"نصرة المحرومين". 

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

اقتصاد وأعمال 11/20/2025 10:55:00 PM
الجديد في القرار أنه سيتيح للمستفيد من التعميم 158 الحصول على 800 دولار نقداً إضافة إلى 200 دولار عبر بطاقة الائتمان...
لبنان 11/20/2025 4:27:00 PM
نوح زعيتر ينحدر من قرية (الكنيسة) في أقصى البقاع الشمالي اللبناني المحاذي لسوريا، ويحيط نفسه بحماية مشددة، وهو مطلوب للإنتربول الدولي.  
لبنان 11/20/2025 5:35:00 PM
الحادثة وقعت خلال وجود أولاد الزوجين في المدرسة، الذين صُدموا لدى عودتهم بالمشهد المؤلم في داخل المنزل