الجمهور الشيعي بين "تقديس" نصرالله وإساءة راغب علامة: التعدّي على المدرسة "غير مقبول"
لم يكَد يلتقط أهالي الضاحية الجنوبية لبيروت أنفاسهم بعد الخروج من حرب مدمّرة خسروا خلالها الأمين العام السابق لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، حتى وقعت القاعدة الشعبية للحزب أمام أوّل اختبار جدّي في التعامل مع أيّ "إساءة أو تعليق" يمسّ قائدها.
ليل الاثنين، اشتعلت صفحات التواصل الاجتماعي بأعنف هجوم على الفنان اللبناني راغب علامة بعد تسريب فيديو له يُسيء لنصرالله، خلال مكالمة مع الفنان الإماراتي عبدالله بالخير، إلّا أنّ نفي علامة وبالخير معاً، وتبريرهما لفحوى الاتصال لم يُسعف الموقف، بل ضاعف غضب الجمهور الشيعي، على اعتبار أنّ "ادّعاء تلفيق صوت علامة بالذكاء الاصطناعيّ ليس إلّا وسيلة لتبرير إساءة لقائد استثنائيّ ومقدّس لمحبّيه"، وقد انتشرت صورة لنصرالله على صفحات جمهور "حزب الله" كُتب عليها: "الأقدس الأسمى، خطّ أحمر وسع الكون".
الشحن الطائفي على مواقع التواصل انفجر في الشارع، إذ لبّى شبّان مناصرون لـ"حزب الله" دعوات لتكسير "مدرسة السان جورج" التي يملكها علامة في الضاحية الجنوبية، وقد عمدوا إلى إحراق مدخلها وكتابة شعارات مندّدة بكلام علامة ومدافعة عن نصرالله.
السؤال عن كون التعرّض لمدرسة تربوية مشروع، وقد لاقى هذا الفعل هجوماً مضادّاً من متابعي علامة، واستنكاراً لما جرى في الضاحية، متسائلين "عمّا إذا كان نصرالله يرضى بتصرّف جمهوره، وهو الداعي دوماً في خطاباته إلى تقبّل الآراء والتعامل مع الإساءة بوعي ومسؤولية".
يحظى راغب علامة بشعبية جماهيرية من البيئة الشيعية، والتي ينتمي إليها بالهوية ورابط الدمّ، إلّا أنّه لطالما تعرّض للهجوم والانتقاد بسبب تصريحاته المرحليّة والمتناقضة، إذ إنّ علامة معروف منذ زمن بتلوّن مواقفه السياسية وفقاً لتطوّرات المرحلة في لبنان والمنطقة، وتبعاً لما يصبّ في مصالحه الفنية ومشاريعه الاستثمارية. ناهيك عن أنّ أبرز التعليقات تناولت "تلطّي علامة خلف الذكاء الاصطناعي لتبرير موقفه، وعدم التعبير عن رأيه بجرأة".
اقرأ أيضاً: بيان صادر عن مكتب راغب علامة: "لن يتهاون في ملاحقة مرتكبي هذه الأفعال"
ردّة فعل الجمهور الشيعيّ
حادثة ليل الاثنين تُعيد إلى الأذهان تفاعل الجمهور الشيعي مع أحداث مماثلة سابقة، على غرار ما جرى في البرنامج الكوميدي "بس مات وطن" عام 2013، حينما قلّد المخرج شربل خليل شخصية نصرالله، في خطوة اعتبرها جمهور "حزب الله" مسيئة أيضاً، فخرجوا إلى الشارع، حيث قطعوا طرقات وأشعلوا إطارات.
"تقديس" الشخصيات في لبنان لا ينسحب على طائفة أو جمهور سياسي فحسب، إلّا أنّ ردّة الفعل التي أثارها مناصرو السيّد يُمكن ربطها مباشرة بـ"الصدمة المجتمعية" التي عاشها هؤلاء على مدى شهرين ونصف الشهر من الحرب.
إلى ذلك، لم يكُن التعامل مع إساءة علامة بالفوضى الأسلوب الأجدى، ولو أنّه يُمكن "تفهّم" ردّة فعل الشارع من منطلقات نفسية واجتماعية وحزبيّة، إلّا أنّ التعرّض للصروح التعليمية وتعمّد تكسيرها "مرفوض لدى "حزب الله"، خصوصاً وأنّ هذه البيئة قدّمت في الحرب شبّاناً مثقّفين ومتعلّمين دفاعاً عن لبنان".
وفي حين لم تُصدر قيادة "حزب الله" بياناً رسميّاً حول الحادثة، تُفيد أجواء مقرّبة من "حزب الله" لـ"النهار" بأنّ "الحزب لا يقبل التعدّي على الممتلكات والأرزاق، وفق قاعدة (لا تزُر وازرة وِزر أخرى)"، مع التأكيد على أنّ "الكلام المُسيء لنصرالله مُدان بشدّة، إن كان صادراً من شخصية عامة أو خاصة".
وعن الاعتداء على مدرسة علامة، تؤكد المصادر أنّ "ردّة الفعل كانت سريعة من بيئة لا تزال تنفض غبار الدمار عن بيوتها، ولم تُشيّع شهداءها بعد، ولا يزال جرحاها يتلقّون العلاج في المستشفيات، إضافة إلى أنّ الإساءة طاولت أكبر رمز ديني وسياسي لديها"، وتضيف: "لم تستطع قيادة "حزب الله" استباق ردّة الفعل الشعبية، إلّا أنّها سارعت إلى التنسيق مع القوى الأمنية والجيش اللبناني لاستدراك الموقف وضبط الشارع".
إذن، شكّل الفيديو المسرّب لعلامة، بصرف النظر عن إشكالية حقيقته، مثالاً عن أهميّة تقييم الموقف خصوصاً في القضايا الوطنية والسياسية الكُبرى، التي قد تُثير النعرات الطائفية وتُعيد إلى الواجهة حملات الترهيب في هذه المرحلة الحسّاسة من تاريخ لبنان.
نبض