ماذا جاء في الكلمة اللاذعة للعميد فايز كرم في احتفال تزامن وذكرى 13 تشرين "العونية"؟

تسري في أوساط "العونيين القدامى" كما في أوساط "التيار الوطني الحر" تردّدات كلمة شديدة النبرة الانتقادية للقيادة العونية "التاريخية"، ألقاها أحد أقرب الضباط العسكريين المشهورين والرموز في حقبة صعود العونية، هو العميد المتقاعد فايز كرم. وقد ألقى كرم كلمة قبل يومين في احتفال أقامه المجلس العام الماروني العام، في ذكرى 13 تشرين الأول 1990. وممّا جاء في كلمة العميد فايز كرم: "يوم عشنا ١٣ تشرين أردنا أن نكونَ قدوةً، أن نبني وطناً، أن نصونَ وندافعَ عن مبادئ. ارتضينا 13 تشرين، وأخذنا على أنفسنا كلَّ عواقب ذلك النهار من أجل لبنان.
كنّا جيشاً لبنانياً يدافع عن رسالتِه الحقيقة فدفعنا الثمن، ولم لا؟ ونحن أبناء شعارْ "شرف تضحية وفاء"، فتحية إجلالٍ وإكبار لكلِّ شهيدٍ سقط في الجيش دفاعاً عن حريّة وسيادة واستقلال بلدِنا، سواء أوُفّقنا في مسعانا أم اقتادَتنا أيادي الطمع والسرقات إلى أعماقِ القبور، أو أعماق سجون الاحتلال.
في ذلك اليوم، لم نُعاقب على مخالفاتٍ ارتكبناها، بل على انتماءٍ وطني دفَعَنا للتضحية حتى بأرواحِنا دفاعاً ليس عن وطنٍ، بل عن وطنٍ "حر سيّد مستقلّ.
كنا نحاول تفادي ما عاشه لبنان، وكل اللبنانيين، بعد ١٣ تشرين، تفادي التزلُّمَ لمصالحِ أوطانٍ غير وطنِنا، ومخططاتَ تؤذي مجتمعَ العيش المشترك، هدفُها سلبَنا قرارَنا وسيادتَنا.
ذاك النهار من سنة 1990 بدّل مسار حياتي، وضع حداً لخدمتي العسكرية، وأدخلني سجن المزة الذي أرغمت فيه على تقديم استقالتي من الجيش، أبعدني عن لبنان لمدة 13 سنة، وتسبّب بالحكم عليّ غيابياً...، وما أزال أتحمّل ذيولَه حتى اليوم.
يومَها انقلبت الحقائقُ وتبدّلت الأمور، يومها أصبح السجّانُ سجيناً والسجينُ سجّاناً، ويومها تحوّلتُ فجأة من رئيس فرع مكافحة الإرهاب والتجسس إلى إرهابي خطر على لبنان... وفي ما بعد إلى ما يشاؤون....
فشهداء 13 تشرين هم شهداء لبنان، وليسوا شهداء فئة من اللبنانيين. استشهدوا من أجل لبنان، ومن أجل حلمٍ آمنوا به، وقيمٍ حملوها، أهمَّها العدالة والحرّية والتحرّر.
أما بالنسبة إلى الذين استغلّوها واغتنموها واقترعوا على ثيابِها وساوموا على قدسيّتِها فهي سلطة ومكاسب وتحايل وخداع..
بالماضي انطلقنا من قضيةٍ تطلّبت شهادة بطولية لجيش يقاوم الاحتلالات فوصلنا إلى صفقة سياسية وهرولة إلى السلطة، وتحوّلت قضيتُنا من حالة شعبية من أجل قيامة لبنان إلى وسيلة شعبوية لتحقيق مآرب شخصية، وها هم اليوم ما زالوا يمعنون في مشاريع الفتنة والانقسام بإصرارهم على استبعاد لا بل العمل على إلغاء دور "اللبنانييّن المنتشرين" في الانتخابات النيابية المقبلة إمعاناً في تحصين موقعِهم الانتخابي.
لسنين عديدة تشاركنا الحلم، وتحَمَّلنا سويّاً قسوة الحرب والفلتان الأمني والقتل والسرقة والتهجير على أمل قيامة واعدة للبنان جديد، فوصلنا إلى خيبة وفوضى وضياع وحروب.
ما أشبه اليوم بالأمس، نفس الهموم، نفس الهواجس، نفس التوجهات.
يمكن أن نعطي 13 تشرين حقه بكل بساطة بالعودة للالتزام بالطروحات السيادية التي جمعتنا بدءاً بالحرية والمساواة والعدالة والعمل من أجل الناس ومع الناس عوض الاستعراض الشعبوي، الذي نشهدَه كل سنة في هذا التاريخ، مهرجان، وقداس، وجمع حشود، ودعوات، ومواقف سياسية، ومزيد من الوجاهة. فأبسط الإيمان الاهتمام بعائلات الشهداء وبالمصابين والمتضرّرين وشهاداتهم خير دليل على التقصير. من المعيب عدم الاكتراث لأوضاعهم من حينه وحتى اليوم.
لنأخذَ من تلك الذِكرى عبرةً لنا، ولنتمثّلَ بمواقف أهلِنا الذين صمدوا في ذلك اليوم من أجل كل اللبنانيين".